احرص
في صَدر خطبتك على البَسْمَلَة (بسم الله)، والحَمْدَلَه (الحمد لله)،
والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى التشهُّد (أشهد
أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا عبده ورسوله) ومعلوم مشروعية خطبة
الحاجة؛ فاحْرِصْ عليها، وسأذكرُ لك - بإذن الله - بعض افتتاحيات الثناء
على الله سبحانه، وعلى رسوله - صلَّى الله عليه وسلم - فقد تحتاج إلى ذكر
ما يتناسب منها مع خُطبتك، وهي مختصر من كتاب "التبصرة" لابن الجوزي، وقد
جاءت موزونة في معظمها.
1- الحمد لله الملك الجليل، المنزَّه عن النظير والعديل، المنعِم بقبول
القليل، المتكرِّم بإعطاء الجزيل، تقدَّس عمَّا يقول أهل التعطيل، وتعالى
عمَّا يعتقد أهل التمثيل. نصب للعقل على وجوده أوضح دليل، وهدى إلى وجوده
أَبْيَن سبيل، وجعل للحسن حظًّا إلى مثله يميل، فأمر ببناء بيت وجلَّ عن
السكنى الجليل: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيل} [البقرة: 127]، ثم حَماه لمَّا قصده أصحاب الفيل، فأرسل عليهم حجارة من سجيل.
أحمده كلما نُطق بحمده وقيل، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له المنزَّه عن ما عنه قيل، وأصلي على نبيه محمد
النبي النبيل، وعلى أبي بكر الصديق الذي لا يبغضه إلا ثقيل، وعلى عمر
وفضلُ عمر فضلٌ طويل، وعلى عثمان وكم لعثمان من فعل جميل، وعلى عليٍّ
وجَحْدُ قَدْر عليٍّ تغفيل، وعلى عمِّه العبَّاس المُستسقَى بشَيْبَتِه
فإذا السُّحْب تسيل.
2- الحمد لله الذي أنشأ وبَرَا، وخلق الماء والثَّرى، وأبدع كل شيء ذَرَا،
لا يغيب عن بصره دبيب النمل في الليل إذا سرى، ولا يعزب عن علمه ما عَنَّ
وما طَرَا، اصطفى آدم ثم عفا عمَّا جرى، وابتعث نوحًا فبنى الفُلْك وسرى،
ونجَّى الخليل من النار فصار حرها ثرى، ثم ابتلاه بذبح الولد فأدهش بصبره
الورى: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102].
أحمده ما قُطِع نهارٌ بسيرٍ وليلٌ بسُرى، وأصلي على رسوله محمد المبعوث في
أمِّ القُرى، وعلى أبي بكر صاحبه في الدار والغار بلا مِرَا، وعلى عمر
المحدَّث عن سرِّه فهو بنور الله يرى، وعلى عثمان زوج ابنته ما كان حديثًا
يُفترى، وعلى عليٍّ بحر العلوم وأَسَد الشَّرى، وعلى عمه العباس الرفيع
القدر الشامخ الذُّرَى.
3- الحمد لله عالم السر والجهر، وقاصم الجبابرة بالعز والقهر، مُحْصي قطرات
الماء وهو يجري في النهر، فضَّل بعض المخلوقات على بعض حتى أوقات الدهر: {لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]، فهو المتفرِّد بإيجاد خَلْقِه، المتوحِّد بإدرار رزقه.
القديم فالسَّبْق لسبقِه، الكريم فما قام
مَخلوقٌ بِحقِّه، عالمٌ بسرِّ العبد وسامعُ نطقه، ومقدر علمه وعمله وعمره
وفعله وخلقه، ومجازيه على عيبه وذنبه وكذبه وصدقه، المالك القهَّار فالكلُّ
في أَسْر رِقِّه، الحليم الستار فالخلق في ظلّ رِفْقِه، أرسل السحاب تُخاف
صواعقه ويُطمع في وَدَقِه، يُزْعِج القلوب رواعده، ويكاد سنا بَرْقه، جعل
الشمس سراجًا والقمر نورًا بيْنَ غرْبِه وشرْقِه.
أحْمده على الهدى وتسهيل طرقِه، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له في رَتْقِه وفَتْقِه، وأنَّ مُحمدًا عبدُه
ورسولُه، أرسله والضلال عامٌّ فمحاه بمَحْقِه، صلى الله عليه وسلم وعلى
آله وصحابه أبي بكر السابق بصِدْقه، وعلى عمر كاسر كِسْرَى بتدبيره
وحِذْقه، وعلى عثمان جامع القرآن بعد تبديده في رَقِّه، وعلى عليٍّ
واعذرونا في عِشْقِه، وعلى عمه العباس مشاركةً في أصله وعِرْقه.
4- الحمد لله خالق الدُّجى والصباح، ومسبِّب الهدى والصلاح، ومقدِّر الغموم
والأفراح. عزَّ فارتفع، وفرَّق وجمع، ووصل وقطع، وحرَّم وأباح. مَلَكَ
وقدَّر، وطوى ونشر، وخلق البشر، وفَطَر الأشباح. رفع السماء، وأنزلَ الماء،
وعلَّم آدَمَ الأسماء، وذَرَى الرِّياح. أعطى ومنح، وأنعم ومدح، وعفا
عمَّنِ اجْتَرَح، وداوى الجراح. علم ما كان ويكون، وخلق الحركة والسكون،
وإليه الرجوع والركون في الغد والرَّوَاح. يتصرَّف في الطول والعرض، وينصب
ميزان يوم العرض: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: 35].
أحمده وأستعينه وأتوكَّل عليه، وأسأله
التوفيق لعمل يقرِّب إليه، وأشهد بوحدانيته عن أدلةٍ صحاح. وأن محمدًا عبده
المقدَّم، ورسوله المعظم، وحبيبه المكرَّم، تفديه الأرواح. صلى الله عليه
وسلم، وعلى أبي بكر رفيقه في الغار، وعلى عمر فتَّاح الأمصار، وعلى عثمان
شهيد الدار، وعلى عليٍّ الذي يفتكُ رعبُه قبل لبْس السلاح. وعلى العباس عمه
صِنْو أبيه أقرب من في نسبه يليه.
5- أحمده على نِعَم لا تُحصى عددًا، وما أقضي بالحمد حقًّا، وأشكره ولم يزل
للشكر مستحقًّا، وأشهد أنه المالك للرقاب كلها رقًّا، كوَّن الأشياء
وأحكمها خلقًا، وفتق السماء والأرض وكانتا رَتْقًا، و قسم العباد فأسعد
وأشقى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} [ غافر: 13].
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أشرف الخلائق
خَلْقًا وخُلُقا، صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبه أبي بكر الصديق الذي حاز
كل الفضائل سبقا، ويكفيه: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} [الليل: 17]، وعلى
عمر العادل فيما يُجابي خلقا، وعلى عثمان الذي استسلم للشهادة فما يتقى،
وعلى عليٍّ بائع ما يفنى ومشتري ما يبقى، وعلى عمه العباس صنو أبيه حقّا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]6- الحمد لله أحقُّ مَنْ شُكِر وأوْلى مَنْ حُمِد، وأكرم مَنْ تفضَّل وأرحم مَنْ قُصِد، المعروف بالدليل وبالدليل عُبِد، القديم
لم يُولَد ولم يَلِد. أحاط به علمًا بالمعلومات وحواها، وأنشأ
المخلوقات بالقدرة وبناها، وأظهر الحِكَم في الموجودات إذ براها، ومن
يتلمَّح حكمها لما رآها فلينظر بالفَهْم وليتفقَّد.
تعرف إلى خلقه بالبراهين الظاهرة، وأظهر في
مصنوعاته العجائب الباهرة، وتفرَّد في مُلْكِه بالقدرة القاهرة، ووعد
المتقين بالفوز في الآخرة، فالبشرى للموعود بما وعد.
تعالى أن يشبه ما صنعه، وأن يقاسي بما
جمعه، سبحانه لا وزير له ولا شريك معه، نادى موسى ليلة الطُّور فأسمعه،
فاعْلَمْ هذا واعتقِدْ وتمسَّكْ بالكتاب والسنة ولا تَمِل عنهما، وسلِّم
إليهما وتسلَّم العلم منهما، ولا تنطق برأيك وظنك فيهما، هذا مذهب أهل
السنة لا تنقص ولا تزد.
أحمده حمدًا إذا قيل صعد، وأصلي على رسوله محمد خير مولود وُلِد.
7- الحمد لله الواحد، العزيز العظيم الشاهد، سامع ذكر الذَّاكر وحمد
الحامد، وعالم ضمير العبد ونية المقاصد، لعظمته خضع الراكع وذلَّ الساجد،
وبهداه اهتدى الطالب وأدرك الواجد، رفع السماء فعلاها ولم يحتج إلى
مُساعِد، وألقى في الأرض رواسيَ راسخاتِ القواعد، تنزَّه عن شريك مشاقِقٍ
أو ندٍّ مُعاند، وعزَّ عن وَلَدٍ وجَلَّ عن والِد، وأحاط علمًا بالأسرار
والعقائد، وأبصر حتى دبيب النمل في الجلامد، وسطا فسالت لهيْبَتِه صعاب
الجوامد، ويقول في الليل: هل من سائلٍ فانتبهْ يا راقد.
بنى بيتًا أمر بقصده وتلقى الوافد، وأقسم على وحدانيته وما يُنكِر إلا مُعاند: {وَالصَّافَّاتِ صَفاّ * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا * إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} [ الصافات: 1، 4].
أحمده على الرخاء والشدائد وأقرُّ بتوحيده إقرارَ عابد، وأصلِّي على رسوله الذي كان لا يخيب السائل القاصد.
8- الحمد لله الذي بيده الإيجاد والإنشاء والإماتة والإحياء، والإعادة
والإنعام والآلاء، والعافية والبلاء، والدَّاء والدَّواء، خلق آدم وخُلِقَت
لأجله الأشياء، وبثَّ من نسله الرجال والنساء، فمنهم العالم الذَّاكر
ومنهم الجاهل النسَّاء، وأكثرهم الغافلون وأقلهم الألِبَّاء، وليست زرقاء
اليمامة كالأعشى، ولا النهار كالليل إذ يغشى، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
أحمد له بتوفيقي لحمده الآلاء، وأقرُّ بأنه
مالك المُلْك يؤتي المُلْكَ مَنْ يشاء وينزع المُلْكَ ممَّن يشاء، وأصلي
على رسوله محمد أشرف راكب حوته البيداء، وعلى صاحبه أبي بكر الصديق مصاحبه
إن وقعت الشدة أو الرخاء، وعلى عمر الفاروق الذي دوَّخ الكفر فذلَّت له
الأعداء، وعلى عثمان الصابر وقد اشتدَّ به البلاء، وعلى عليٍّ الذي حصل له
دون الكل الإخاء، وعلى عمه العباس الذي سألت الصحابة به الغيث فسالت
السماء.
ويسعك أن تبدأ خطبتك بقولك:
- الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله لا إله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد،،،
- الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، أما بعد،،،
الحمد لله الذي لا أوَّل لوجوده، ولا آخر لجوده، وصلى الله على خير مبعوث
بشرائعه وحدوده، وعلى الصحابة وأزواجه وجنوده، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
- الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، والشكر
له على ما أوْلى من نعمٍ سائغةٍ وأسدى، نحمده سبحانه وهو الولي الحميد،
ونتوب إليه جل شأنه وهو التواب الرشيد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، شهادةً نستجلب بها نعمه، ونستدفع بها نقمه، وندخرها عُدَّةً لنا
يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونشهد أن محمدًا عبده
ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله نجوم المهتدين،
ورجوم المعتدين، ورضي الله عن صحابته الأبرار الذي قاموا بحقِّ صحبته، وحفظ
شريعته، وتبليغ دينه إلى سائر أمته، وكانوا خير أمة أخرجت للناس.
- الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزِّز بعظمة الربوبية، القائم
على نفوس العالم بآجالها، والعالم بتقلُّبها وأحوالها، المانّ عليهم بتواتر
آلائه، المتفضِّل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي أنشأ الخلق حين أراد بلا معين
ولا مشير، وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته
مشيئته، ونفذت فيهم بعزته إرادته، فألهمهم حسن الإطلاق، وركَّب فيهم تشعُّب
الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وعلى تشعُّب أخلاقهم يدورون، وفيما
قضى وقدر عليهم يهيمون، {
كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [ المؤمنون: 35].
وأشهد أن لا إله إلا الله، فاطر السموات
والعلا، ومنشئ الأرضين والثَّرى، ولا معقِّب لحكمه، ولا رادَّ لقضائه، لا
يُسأل عمَّا يفعل وهم يسألون.
وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبده المجتبى، ورسوله
المُرتَضى، بعثه بالنور المضي والأمر المرضي على حين فترةٍ من الرسل،
ودروس من السبل، فدمغ به الطغيان، وأكمل به الإيمان، وأظهره على كل
الأديان، وقمع به أهل الأوثان.
فصلى الله عليه وسلم ما دار في السماء فَلَك، وما سبح في الملكوت مَلَك، وعلى آله أجمعين.
- الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتمَّ علينا النعمة، وجعل أمتنا - ولله
الحمد - خير أمة، وبعث فينا رسولاً منا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا
الكتاب والحكمة.
أحمده على نعمه الجمَّة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تكون لمَنِ اعتصم بها خير عصمة.
وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبده ورسوله أرسله
للعالمين رحمة، وفرض عليه بيان ما أنزل إلينا فأوضح لنا كل الأمور
المهمَّة، وخصَّه بجوامع الكَلِم فربما جمع أشتات الحكم والعلوم في كلمة أو
شطر الكلمة! فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تكون لنا نورًا من كل
ظلمة، وسلم تسليمًا.
وأنت إذا طالعت كتب أهل العلم وجدت افتتاحيات الثناء
على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى الصحابة ومَنْ تبعهم
بإحسان؛ فتخيَّر منها ما شئت، ويسعك أن تبدأ حديثك بما يجتمع عليه قلبك
ولسانك من المعاني الصحيحة، دون أن تنسب لتكلُّف السجع المذموم.