موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 3:42 pm | |
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 56
| ((فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ )) بك وبما جئتَ به ((فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا )) بضرب الذلة والمسكنة عليهم وأنهم دائماً تحت حكم أصحابك وأنه لا تقوم لهم دولة إلا بحبل من الله وبحبل من الناس وأنهم مكروهون منفورون أبد الآبدين ((وَالآخِرَةِ )) بإدخالهم ناراً أحاطت بهم سُرادقها وإن يستغيثوا يُغاثوا بماءٍ كالمهل ((وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ)) ينصرونهم من بأس الله وعذابه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 57 | ((وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا )) بك وبما بشّرتَ به ((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ )) مما أمرناهم به واجتنبوا عن المحرّمات، فإنه لا يُقال يعمل فلان الصالحات إلا إذا إجتنب الآثام إلى جنب إتيانه بالواجبات ((فَيُوَفِّيهِمْ ))، أي يعطيهم الله ((أُجُورَهُمْ )) كاملة غير منقوصة فإن الوفاء إعطاء المطلوب كاملاً ((وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)) الذين ظلموا بالكفر أو بعدم العمل الصالح.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 58 | ((ذَلِكَ )) ابمذكور هنا من إخبار زكريا وعيسى ويحيى ومريم (عليهم السلام) ((نَتْلُوهُ عَلَيْكَ ))، أي نقرأه عليك بسبب الوحي ((مِنَ الآيَاتِ ))، أي من جملة الآيات والحجج الدالة على صدقك وأنك نبي يوحى إليه ((وَ)) من ((الذِّكْرِ )) إلى القرآن ((الْحَكِيمِ)) المحكم الذي لا يتطرق إليه بطلان أو زيغ.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 59 | وهنا تتهيّأ النفوس لإدراك حقيقة عيسى هل كان بشراً وكيف وُلد من غير أب فقال سبحانه ((إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ )) فليس ولادة عيسى من غير أب عجيباً وبدعاً ولا يدل ذلك على أنه رب فآدم أعجب منه أليس الله سبحانه ((خَلَقَهُ ))، أي خلق آدم ((مِن تُرَابٍ )) صنعه وجسّده ((ثِمَّ قَالَ لَهُ : كُن )) إنساناً حياً ((فَيَكُونُ)) كما قال، ومقتضى القاعدة أن يُقال "فكان" إلا إن هذه الجملة أخذت صِبغة المثالية نحو "الصيف ضيّعت اللبن"، ولذا يُؤتى بها على لفظها وقد تقدّم أن كلمة "كن" تعبّر عن الإرادة الأزلية لا أن في اللفظ خصوصية.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 60 | ((الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ )) يارسول الله، أي إن قصة عيسى هكذا أو خلقه كذلك حق من ربك ((فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ))، أي من الشاكين فإنّ "إمترى" بمعنى شكّ والخطاب وإن كان للرسول لكنه عام لكل أحد، ومن المعلوم أن توجيه الخطاب لا يلازم إحتمال وجود الصفة، وإنما أكّد البيان بجملة "فلا تكن" لكثرة الشك والتشكيك لدى الناس في مختلف شؤون عيسى (عليه السلام) .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 61 | ((فَمَنْ حَآجَّكَ )) وجادلك يارسول الله ((فِيهِ ))، أي في عيسى قائلاً أنه ليس بشراً وإنما هو رب إنفصل عن الرب ونزلت الآية في وفد نجران من المسيحيين الذين جائوا للمجادلة مع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم تنفعهم الحجة والدليل فقرر الطرفان أن يخرجوا إلى الصحراء ليدعو كل من الطرفين على الكاذب فخرج الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم الموعد مع علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فلما رأتهم النصارى أحجموا وقال كبيرهم أني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يُزيل جبلاً من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة وقال الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : "والذي نفسي بيده لو لاعنوني لمُسخوا قردة وخنازير ولاضطرم الوادي عليهم ناراً ولما حال الحول على النصارى حتى يهلكوا ((مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ )) حول قصة عيسى (عليه السلام) ((فَقُلْ )) لهم يارسول الله ((تَعَالَوْاْ ))، أي هلمّوا إلى حجة أخرى ليست محل نقاش وجدال ((نَدْعُ ))، أي يدعو كل طائفة منّا ((أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا ))، أي بمنزلة أنفسنا ((وأَنفُسَكُمْ ))، أي من هو بمنزلة أنفسكم، والمراد دعوة كل طرف خواصّه ومن يقترب إليه من الأبناء والنساء ومن هو بمنزلة نفسه ((ثُمَّ نَبْتَهِلْ )) الإبتهال طلب اللعنة من الله سبحانه، أي ندعو كل طائفة على الآخر قائلين : لُعن الكاذب، وقد يُستعمل الإبتهال بمعنى مطلق الدعاء خيراً كان أو شراً ((فَنَجْعَل )) في إبتهالنا ((لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)) وقد أجمع المفسرون أن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يخرج معه إلا إبنيه الحسن والحسين وبنته فاطمة وإبن عمه علياً (عليهم الصلاة والسلام).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 62 | ((إِنَّ هَذَا )) الذي أوحينا إليك في أمر عيسى وغيره ((لَهُوَ الْقَصَصُ )) جمع قصة ((الْحَقُّ )) الذي لا كذب فيه ولا زيغ ((وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللّهُ )) فليس عيسى إلهاً كما يزعم النصارى ((وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ )) في سلطانه ((الْحَكِيمُ)) في أفعاله فلا يتخذ البشر إبناً له كما يقول اليهود والنصارى.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 63 | ((فَإِن تَوَلَّوْاْ )) وأعرضوا مصرّين على عقائدهم الفاسدة ((فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ)) الذين يُفسدون عقائد الناس وأعمالهم فإنهم لا يفوتونه سبحانه بل هم بعلمه وسيجازيهم بأعمالهم وأفعالهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 64 | وحيث إنتهى السياق من قصص عيسى (عليه السلام) تناول الحديث حول أهل الكتاب وإنحرافاتهم للعلاقة الوثيقة بين الموضوعين فقال سبحانه ((قُلْ )) يارسول الله ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ)) والمراد بهم اليهود والنصارى ((تَعَالَوْاْ ))، أي هلمّوا نجتمع جميعاً ((إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ))، أي إلى كلام عدل لا ميل له ونحن جميعاً نعترف به ولا ندع ما سوى ذلك ما لم يدل عليه دليل ((أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ )) فإن العبادة لا تجوز إلا له إذ هو الذي خلق الكون ((وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا )) من إنسان أو حيوان أو جماد كما يصفه المشركون ((وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً ))، أي بعض البشر ((أَرْبَابًا )) وآلهة ((مِّن دُونِ اللّهِ )) كاتخاذ النصارى المسيح إلهاً أو المراد إتخاذ الأحبار والرهبان آلهة في الإطاعة فيما خالف الله سبحانه كما قال (إتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباَ) ((فَإِن تَوَلَّوْاْ ))، أي أعرضوا عن ذلك ((فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) لله وحده نتّبع طريقه ولا نبتغي غير الإسلام ديناً.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 65
| وقد كان أهل الكتاب يقولون أن إبراهيم كان على ديننا فاليهود كانوا يقولون أنه (عليه السلام) كان يهودياً والنصارى منهم كانوا يقولون أنه (عليه السلام) كان مسيحياً فقال سبحانه في ردّهم ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ ))، أي لماذا ((تُحَآجُّونَ )) وتجادلون ((فِي إِبْرَاهِيمَ )) (عليه السلام) وتنسبوه إلى اليهودية والنصرانية ((وَ)) الحال أنه متقدّم زماناً على كلا الدينين، فإبراهيم جدّ موسى وعيسى وهو سابق عليهما بقرون فإنه ((مَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ )) على موسى ((وَالإنجِيلُ )) على عيسى ((إِلاَّ مِن بَعْدِهِ ))، أي بعد إبراهيم ((أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)) أليس لكم عقل حتى تعرفون التاريخ.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 66 | ((هَا)) تفيد التنبيه ((أَنتُمْ )) يامعشر أهل الكتاب ((هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ )) وجادلتم ((فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ)) مما تعلمون كالقبلة ونحوها ((فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ )) إذ لا تعلمون تاريخ إبراهيم وتجادلون في أنه كان يهودياً أو نصرانياً ((وَاللّهُ يَعْلَمُ )) تاريخ إبراهيم ودينه ((وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون)) فما هذه المخاصمة والمجادلة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 67 | ((مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا )) فإنهما طريقتان متأخرتان إنحرفتا عن سنن الأنبياء حتى إن المسيح وموسى (عليهما السلام) لم يكونا متّفين بهاتين الملّتين ((وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا )) مستقيماً في دينه لا منحرفاً ((مُّسْلِمًا )) لما تقدّم من أن الإسلام دين الأنبياء جميعاً ((وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) كشرك اليهود الذين جعلوا عُزير إبن الله وشرك النصارى الذين جعلوا المسيح إلهاً أو إبن الله.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 68 | كانت اليهود تقول نحن أولى بإبراهيم لأنه على ديننا وكانت النصارى تقول مثل ذلك فنزلت ((إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ )) الذي يحقّ أن يفتخر به ويقول أنا على طريقته وأنه رئيس الملّة لي ((لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ )) في زمانه وبعده، إذ التابع يحقّ له أن يفتخر برئيسه ومتبوعه لا من يتّبع غيره كاليهود والنصارى الذين خالفوا إبراهيم ((وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ )) عطف على "الذين إتّبعوه" فإنّ هذا النبي والمؤمنين هم الذين إتّبعوا إبراهيم وهم على ملّته فإنّ ملّته كان التوحيد وخلع الأنداد ((وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)) يلي أمورهم وينصرهم على عدوهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 69 | ((وَدَّت ))، أي أحبّت ورغبت ((طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ))، أي جماعة منهم فإنّ كثيراً من أهل الكتاب لم يكن يعنيهم هذه الأمور ((لَوْ يُضِلُّونَكُمْ )) عن دينكم حتى تدخلوا في دينهم أو ترجعوا كفاراً ((وَمَا يُضِلُّونَ )) هؤلاء ((إِلاَّ أَنفُسَهُمْ )) فإنهم بتركهم الإسلام والتزامهم أديانهم المنحرفة سبّبوا ضلالاً لأنفسهم، أو المراد أنه لا يرجع وبال إضلالهم إلا على أنفسهم حيث يوجب ذلك لهم خزياً في الدنيا وعذاباً في الآخرة ((وَمَا يَشْعُرُونَ))، أي ما يعلمون أنهم أضلّوا أنفسهم أو ما شعروا بأنه رجع وبال إضلالهم إلى أنفسهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 70 | ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )) هم اليهود والنصارى، وأما المجوس فإنهم وإن كانوا أهل كتاب إلا إنّ هذه المباحثات كانت مع الطائفتين فقط كما يُستفاد من سياق الآيات ((لِمَ ))، أي لماذا ((تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ )) بدلائله وحججه التي أقامها على التوحيد والرسالة وسائر الأمور ((وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ)) بلزوم الإقرار بها شهادة فيما بينكم، أو شهادة حسب كتبكم الدالة على التوحيد ورسالة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسائر الأمور المختلف فيها.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 71 | ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )) وخطابهم بهذا الخطاب إشعار بأنه ينبغي أن لا يكونوا كذلك إذ هم أهل العلم والدراية وفيهم نزل كتاب الله سبحانه ((لِمَ ))، أي لماذا ((تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ))، أي تخلطون الحق بالباطل، ففي أعمالكم قسم من الحق وقسم من الباطل فالإيمان بموسى وعيسى حق والكفر بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) باطل وهكذا بعض كتابهم حق وبعض الذي حرّفوه باطل ((وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ))، أي تعلمون أنه حق فقد كان علمائهم يكتمون صفات الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى لا يميلوا نحوه وتذهب رئاستهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 72 | وقد صدرت مكيدة من أهل الكتاب لتضليل الناس وأن لا يتعلّقوا بدين الإسلام، حيث يظهرون عملاً يصوّرهم عند الناس في صورة المُنصِف وأنهم إنما لم يتّبعوا الإسلام لأنهم لم يجدوه حقاً ((وَقَالَت طَّآئِفَةٌ ))، أي جماعة ((مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ )) بعضهم لبعض ((آمِنُواْ ))، أي أظهِروا الإيمان ((بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ ))، أي بالقرآن ((وَجْهَ النَّهَارِ ))، أي أول الصبح، فقولوا إنّا آمنّا بمحمد وكتابه لأنّا وجدناه في كتبنا ((وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ ))، أي آخر النهار فقولوا بعد أن آمنّ رجعنا إلى صفات محمد ثانياً فوجدناها ليست كما ذُكر في كتابنا، فإنّ هذا العمل يُريكم في أعين الناس منصفين حيث آمنتم بمحمد بمجرد علمكم بحقيقته، وإنما رجعتم حيث ظهر لكم عدم الحقيقة، فيزعمون الناس أنكم منصفون صادقون تريدون الحق ((لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ))، أي لعل هذا العمل الخداعي يسبّب رجوع المسلمين عن إسلامهم حيث يوجب ذلك تشكيكاً لهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 73 | ((وَلاَ تُؤْمِنُواْ ))، أي لا تُظهِروا الإيمان ((إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ )) فإيمانكم وجه النهار يكون عند أهل الكتاب لا عند المسلمين، أو لا تؤمنوا إيماناً صادقاً عن قلوبكم إلا لأهل الكتاب، فلا تؤمنوا للمسلمين، ومعنى الإيمان لمن تَبِعَ دينهم أنهم يؤمنون بمثل ما آمن أهل الكتاب ((قُلْ )) لهم يارسول الله ((إِنَّ الْهُدَى )) الحقيقي ((هُدَى اللّهِ )) لا هذا الهدى الإصطناعي الذين تريدون به خدع أصحابكم والمسلمين فلسنا في حاجة إلى هداكم كما لا نخاف من إضلالكم فإنّ الله إذا هدى شخصاً لا يرجع بخداعكم، ثم يرجع السياق إلى كلام اليهود بعضهم لبعض، ولا تؤمنوا ((أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ )) فإنّ ما أوتيتم أيها اليهود هو خير مما أوتي غيركم فلا يكن إيماناً بمحمد إيماناً عن قلب أو صدق ((أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ ))، أي لا تؤمنوا أن يُحاجّكم المسلمون عند ربكم بمعنى أنه لا يمكن أن يكون ذلك إذ المحاجّة لا تكون من المُبطِل - والمسلم مبطِل بزعمهم- ((قُلْ )) يارسول الله رداً على قولهم "أن يُؤتى أحد مثل ما أوتيتم" ((إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ )) فأيّ مانع من أن يعطي المسلمين مثل ما أُعطي اليهود وأفضل منه ((يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ )) الفضل لا ينفد فضله بإعطائه لأحد ((عَلِيمٌ)) بمصالح الخلق يعلم حيث يجعل رسالته.
|
فسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 74
| ((يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء )) من عباده ((وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)) فإنّ فضله يبتدء بالخلق وينتهي إلى حيث لا قابلية فوقه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 75 | وقد جمع أهل الكتاب إلى تلك الرذائل السابقة رذيلة الخيانة ((وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ))، أي بعض أهل الكتاب -والمراد به مَن آمن منه كعبد الله بن سلام- ((مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ))، أي تجعله أميناً على قنطار من المال لا يخونه بل يؤديه إليك عند المطالبة، وقد ورد أن عبد الله بن سلام أودعه رجل ألفاً ومأتي أوقيه من ذهب فأدّاه إليه فمدحه الله بهذه الآية ((وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ ))، أي تجعله أميناً على مال قليل كدينار ((لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ )) عند المطالبة فإن رجلاً من قريش إستودع "فخاض" ديناراً فخانه ولم يردّه إليه ((إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا )) بالضغط والإلحاح والمراقبة ((ذَلِكَ )) الإستحلال والخيانة منهم لأموال الناس ((بِـ)) سبب ((أَنَّهُمْ ))، أي الخائن من أهل الكتاب ((قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ))، أي لا سبيل ولا غضاضة علينا في إستحلال أموال الأمّيّين، أي العرب حيث أنهم خرجوا عن دينهم، أي غير الشرك وقد أودعونا حال شركهم فإذا رفضوا طريقتهم إلى الإسلام سقط حقهم كذا كانوا يقولون ينسبونه إلى كتبهم ((وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ )) فإنه ليس ذلك في كتبهم، بل اللازم أداء الأمانة إلى البِر والفاجر ((وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) أنهم يكذبون على الله وأن عدم الأداء خيانة ورذيلة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 76 | ((بَلَى )) فيه نفي لما قبله وإثبات لما بعده، أي لم يجز الله الخيانة بل أوجب الأداء فـ ((مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ )) وأدّى الأمانة التي عنده ((وَاتَّقَى )) من عذاب الله في الخيانة وغيرها ((فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) لا الخائنين الكاذبين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 77 | ((إِنَّ )) مَن يأكل الأمانة ويكذب على الله فقد باع دينه لثمن قليل و((الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِـ)) مقابل ((عَهْدِ اللّهِ )) الذي هو الكتاب والدين ((وَ)) بـ ((أَيْمَانِهِمْ ))، أي أقسامهم الكاذبة التي يحلفون بها لأجل الباطل ((ثَمَنًا قَلِيلاً )) وقد تقدّم أن الأمور الدنيوية مهما عظمت لهم فإنها قليلة بالنسبة إلى الآخرة ((أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ))، أي لا نصيب لهم من رحمة الله وجنته في الآخرة ((وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ )) كلام لُطف وحنان وهو كناية عن غضب الله عليهم كما إن من غضب على شخص لا يكلمه ((وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ ))، أي لا يعمّهم بلطفه وإحسانه وهو كناية أخرى عن الغضب كالذي يغضب على شخص فلا ينظر إليه ((يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) ذلك اليوم الذي يحتاج كل أحد إلى فضله وإحسانه تعالى ((وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ))، أي لا يُطهّرهم عن الدنس فإنّ قلب الخائن الكاذب أقذر ما يكون فلا يشمله الله سبحانه بلُطفه الخاص الذي يلطف به على المؤمنين ((وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))، أي مؤلم موجع.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 78 | ((وَإِنَّ مِنْهُمْ ))، أي من أهل الكتاب ((لَفَرِيقًا ))، أي جماعة ((يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ ))، أي يطوون ألسنتهم عند قراءة الكتاب وطي لسانهم إنما هو بالزيادة والنقيصة فكما أن ليّ الشيء يُخرجه عن الإستقامة بالزيادة في جانب والنقيصة في جانب كذلك ليّ اللسان بالكتاب، فإنهم أضافوا على التوراة والإنجيل في مواضع ونقصوا منهما في مواضع ((لِتَحْسَبُوهُ )) أيها المسلمون ((مِنَ الْكِتَابِ )) فيكون شاهداً لأباطيلهم المخترعة ((وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ )) بل من إضافاتهم وتحريفاتهم ((وَيَقُولُونَ هُوَ )) ما يتلونه بإسم الكتاب ((مِنْ عِندِ اللّهِ )) تعالى ((وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ)) بل من مخترعاتهم الكاذبة (( وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ )) في نسبتهم ذلك التحريف إليه سبحانه ((وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) أنه ليس من الكتاب وأنهم كاذبون.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 79 | وحيث أنه كان من أظهر تلك التحريفات تحريفهم حول المسيح وادّعائهم أنه شريك مع الله وأنّ ذلك موجود في كتابهم ردّهم الله سبحانه بأنّ ذلك مستحيل في حق المسيح لأن الله سبحانه لا يُعطي النبوة لرجل كاذب يدّعي لنفسه الربوبية فإنه ((مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ))، أي يُعطيه (( الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ )) بين الناس ((وَالنُّبُوَّةَ )) والرسالة ((ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ ))، أي أعبدوني دونه سبحانه، أو المراد أعبدوني معه، فإنّ عبادة الشريك عبادة لمن دون الله، ولأن الشرك معناه عدم عبادة الله إطلاقاً إذ الله لا شريك له، فمن له شريك ليس هو بإله، وفي بعض التفاسير أن سبب نزول هذه الآية أن يهودياً سأل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك ونزلت الآية ((وَلَكِن )) اللازم على الرسول أن يقول للناس ((كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ )) منسوبين إلى الرب ترشدون الناس إلى التوحيد وتعبدون إلهاً واحداً ((بِـ)) سبب ((مَا كُنتُمْ))، أي كونكم ((تُعَلِّمُونَ )) الناس ((الْكِتَابَ )) الذي أخذتموه من نبيّكم ((وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ))، أي بسبب درسكم إياه يعني أن الرسول يقول للناس أنكم بسبب كونكم علماء معلّمين مدرّسين يجب أن تكونوا ربّانيّين منسوبين إلى الرب فقط لا إلى غيره من الأنداد والشركاء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 80 | ((وَلاَ )) يكون للنبي أن ((يَأْمُرَكُمْ )) عطف على "ما كان لبشرٍ أن يؤتيه الله" ((أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا )) فإنّ ذلك محال إذ من يختاره الله للرسالة لا يأمر بالكفر ((أَيَأْمُرُكُم))، أي هل يأمركم النبي (( بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ)) أسلمتم بإيمانكم بالنبي، وهذا إستفهام إنكاري، أي لا يكون ذلك أبداً فقد أخرجكم النبي من الكفر إلى الإسلام فكيف يأمركم بالكفر ثانياً بأن تتّخذوه شريكاً لله.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 81 | وإذ تم الكلام حول عيسى وأنه ليس بشريك لله سبحانه رجع السياق إلى نبي الإسلام وأنه النبي بعد عيسى (عليه السلام)، ((وَ)) اذكر يارسول الله ((إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ )) عهدهم المؤكد ((لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ )) "ما" بمعنى "مهما"، أي أخذ الله عهد النبيّين أنه مهما أعطاه الله الكتاب والحكمة والرسالة ((ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ )) يُراد به نبي الإسلام، أو كل نبي يأتي بعدهم ((لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ )) هذا جواب "مهما" فالله سبحانه كان يأخذ من النبيّين الميثاق أنه مهما أعطى أحدهم الرسالة فإنّ عليه أن يؤمن برسول الإسلام، أو عليه أن يؤمن بالرسول الذي يتلوه وأن يناصره ويعاضده، وفي الوجه الأول إفادة أن الأنبياء جميعاً أقرّوا بالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واعترفوا به وآمنوا به وفي الوجه الثاني إفادة أن كل رسول كان يؤمن بالرسول الذي يأتي من بعده حتى إنّ الأنبياء كلهم كسلسلة واحد يؤمن سابقهم بلاحقهم ويصدّق لاحقهم سابقهم ((وَلَتَنصُرُنَّهُ )) ومعنى نصرة النبي السابق للاحق أن يأخذ له العهد من أمته ((قَالَ )) الله تأكيداً لأخذ الميثاق ((أَأَقْرَرْتُمْ ))، أي هل أقررتم أيها الأنبياء باستعدادكم للإيمان بالرسول ونصرته ((وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ )) الإيمان بالرسول ونصرته ((إِصْرِي ))، أي عهدي الأكيد من أممكم حتى يؤمنوا بالرسول وينصروه ((قَالُواْ ))، أي قالت الأنبياء في جواب الله سبحانه ((أَقْرَرْنَا )) بذلك وأخذنا الأمر ((قَالَ )) الله سبحانه لهم ((فَاشْهَدُواْ)) بذلك على أممكم، أي كونوا شهداء عليهم حتى نحتجّ على المخالف يوم القيامة بشهادتكم ((وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ)) فإني أيضاً شهيد عليهم بأنهم أقرّوا بأن يؤمنوا بالرسول وينصروه، وقد روي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه لم يبعث الله نبيّاً آدم ومن بعده إلا أخذ عليه العهد بالإيمان بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمره بأخذه العهد بذلك من أمته.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 82
| ((فَمَن تَوَلَّى )) وأعرض عن الإيمان والنصرة ((بَعْدَ ذَلِكَ )) العهد الذي أخذه نبيّه منه ((فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) الخارجون عن إطاعة الله سبحانه حيث نقضوا العهد وخالفوا الوعد.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 83 | إن عدم الإيمان بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خلاف عهدهم أولاً وخلاف الواجب عليهم ثانياً ((أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ ))، أي يطلبون ويريدون غير دين الله ودين الإسلام الذي ثبت بالآيات والحجج ((وَلَهُ ))، أي لله ((أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )) فكل شيء في الكون خاضع له سبحانه منقاد لأمره فما بال هؤلاء يخالفون دين الله الذي أذعن له كل الكون ((طَوْعًا وَكَرْهًا )) فإنّ ذوي العقول من الملائكة ونحوه أسلم لله طوعاً والجمادات أسلمن كرهاً بمعنى أنها مستمرة حسب مشيئة الله سبحانه ((وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ))، اي إلى حكمه وأمره وثوابه وعقابه ترجعون عند الموت أو في القيامة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 84 | هنا يأتي دور إظهار الأمة المسلمة إيمانها بجميع الأنبياء فإنه مقتضى وحدة الرسالات ومقتضى ما سلف من إيمان كل سابق باللاحق وتصديق كل لاحق للسابق ((قُلْ )) يارسول الله صيغة الإيمان التي يجب الإعتراف بها على كل أمتك ((آمَنَّا بِاللّهِ )) إلهاً واحداً ((وَ)) بـ ((مَا أُنزِلَ عَلَيْنَا)) من القرآن الحكيم وسائر الأحكام ((وَ)) بـ ((مَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ )) أولاد يعقوب الذين كانوا أنبياء ((وَ)) بـ ((مَا أُوتِيَ ))، أي أُعطي ((مُوسَى)) من التوراة ((وَعِيسَى )) من الإنجيل ((وَ)) بما أُعطي ((النَّبِيُّونَ مِن )) قِبَل ((رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ ))، أي من هؤلاء الأنبياء لا كاليهود الذين لم يؤمنوا بعيسى (عليه السلام) ومحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا كالنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَنَحْنُ لَهُ ))، أي لله ((مُسْلِمُونَ)) منقادون فيما أمرنا ونهانا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 85 | ((وَمَن يَبْتَغِ ) ويطلب ويريد ((غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا )) من الأديان السماوية أو المفتعلة ((فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ )) أبداً في الدنيا بل تجري عليه أحكام الكفار ((وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) الذين خسروا أنفسهم وأموالهم وأهليهم جميعاً. | تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 86 | إنّ الذين أدركوا هذه الحقيقة وحدة الرسالات وحقيقة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودين الإسلام ثم أنكروا وعاندوا فقد ظلموا أنفسهم وبعّدوا أنفسهم عن لُطف الله وهدايته فلا يلطف بهم الله لطفاً خاصاً ولا يهديهم بل يتركهم في ظلمات كف | |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 3:43 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 93
| يرجع السياق هنا الى ما كانت الآيات بصدده من أحوال أهل الكتاب في أصولهم وفروعهم وعنادهم ومجادلاتهم، وفي بعض التفاسير أنهم أنكروا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تحليل لحم الجزور وادّعوا تحريمه على إبراهيم (عليه السلام) وأن ذلك مذكور في التوراة فأنزل الله سبحانه رداً عليهم هذه الآية ((كُلُّ الطَّعَامِ))، أي كل المأكولات، والمراد بالكل الإضافي في مقابل ما ادّعوا تحريمه ((كَانَ حِلاًّ))، أي حلالاً ((لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ)) اليهود ((إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ))، أي يعقوب (عليه السلام) ((عَلَى نَفْسِهِ)) وهو لحم الإبل كان إذا أكله هيّج عليه الخاصرة فحرّمه على نفسه وكان ذلك ((مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ)) على موسى (عليه السلام) فليس تحريمه على إسرائيل دليلاً على بقائه على الحُرمة فإن التوراة لما نزلت لم تحرّمه فلماذا تقولون أيها اليهود بحُرمته ((قُلْ)) يارسول الله لهم ((فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا)) حتى يظهر أنه لم يحرّمه التوراة كما ذكرت لكم ((إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في دعواكم أن التوراة حرّم الإبل، لكنهم لم يأتوا بالتوراة، فتبيّن كذبهم، وقد كان اليهود يظنون أن الرسول -لأنه أمّي- لا علم له بالتوراة فلهذا كانوا ينسبون إليها أشياء، لكن الوحي كان يفضحهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 94 | ((فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ)) البرهان الدال على عدم تحريم التوراة ((فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) الذين ظلموا أنفسهم بمنعها عن الهداية وظلموا غيرهم بمنعهم عن الحق.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 95 | ((قُلْ)) يارسول الله لليهود ((صَدَقَ اللّهُ)) فيما نقلتُ لكم من عدم تحريم الجزور وكذّبتم أنتم، بل تبيّن أن كل الطعام كان حلاًّ ((فَاتَّبِعُواْ)) أيها اليهود ((مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا))، أي مستقيماً، وملّة إبراهيم تحلّل كل الطعام ((وَمَا كَانَ)) إبراهيم (عليه السلام) ((مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) دحض لإفتراء آخر من أهل الكتاب حول إبراهيم حيث كانوا يقولون أنه كان يهودياً أو نصرانياً -وكلاهما مشرك- ففي السابق نُقل إفترائهم بالنسبة الى الله في قصة الطعام وهنا نقل إفترائهم بالنسبة الى أنبيائه بالنسبة الى الشرك.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 96 | إن أهل الكتاب دحضت حجّتهم في باب التحليل والتحريم، ودحضت حجّتهم في باب دين إبراهيم، كما دحضت حجّتهم من ذي قبل في سائر الشؤون التي ناقشوا فيها، وبقيت الآن لهم حجّة أخرى هي أن بيت المقدس أشرف من الكعبة، وأنه محل الأنبياء، فالقرآن يدحضهم بأن الكعبة هي أشرف لأنها أول بيت، ولأن إبراهيم (عليه السلام) الذي تنتسبون إليه هو الذي بناها، ولأن الحج شُرّع إليها ((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ))، أي بُني لأجل إنتفاع الناس ديناً ودنيا، فإن الأرض دُحيت من تحته ولم يكن قبله بيت مبني ((لَلَّذِي)) اللام للتأكيد، أي هو البيت الذي ((بِبَكَّةَ)) وهو إسم آخر لمكة، وسمي "بكة" لإزدحام الناس في الطواف ونحوه هناك، فإن بكّ يبكّ بمعنى زحم يزحم ((مُبَارَكًا))، أي كثير البركة والخير فإن فيه خير الدنيا حيث الأُلفة والإجتماع والإقتصاد وغيرها، وخير الآخرة حيث غفران الذنوب وترفيع الدرجات ((وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ))، أي سبباً لهدايتهم فإنه مذكّر لله سبحانه وفيه ذكريات أنبيائه ومعالم عبادته.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 97 | ((فِيهِ))، أي في ذلك البيت ((آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ))، أي دلالات واضحات على التوحيد والنبوة ونُصرة الإسلام ((مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ))، أي موضع قدمه حيث كان هناك حجر يضعه إبراهيم ويصعد عليه لبناء أعالي الكعبة حيث رسخت قدماه في ذلك الحجر، فإنه آية واضحة من آيات الله سبحانه، وخصّص بالذكر لأهميتها وتقديراً لإبراهيم الذي ضحّى بكل ما لديه في سبيل الله سبحانه ((وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)) أما إبتداء، أو عطف، أي إن من آيات البيت أنه سبحانه جعله حرماً آمناً فمن دخله فهو مأمون على عرضه وماله ودمه لا يُمسّ بسوء وإن كان مجرماً يستحق العقاب والحد ((وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ))، أي يجب على الناس أن يحجّوا البيت ((مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً))، أي من وجد إليه طريقاً وذلك بأن يكون له ما يكفيه ذهاباً وإياباً لنفسه ولعائلته ويرجع الى الكفاية مع أمن الطريق وصحة الجسم الى غير ذلك من الشروط المذكورة في الفقه ((وَمَن كَفَرَ)) فلم يحج مع الإستطاعة، وقد تقدّم أن الكفر قسمان : كفر في الإعتقاد وهو إنكار أصل من أصول الدين، وكفر في العمل وهو ترك واجب أو فعل محرّم، وقد كثر في القرآن والحديث إستعمال الكفر بهذا المعنى ((فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)) فلا يظنّ أن كفره يضرّ الله شيئاً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 98 | ويرجع السياق الى أهل الكتاب ((قُلْ)) يارسول الله ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ)) أدلته الواضحة الدالة على نبوة نبي الإسلام وما جاء به الذي منه شؤون بيت الله الحرام ((وَاللّهُ شَهِيدٌ))، أي يشهد ويعلم ((عَلَى مَا تَعْمَلُونَ)) فيجازيكم عليها.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 99 | ((قُلْ)) يارسول الله ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ))، أي تمنعون الناس عن الإيمان بالله فلإن أهل الكتاب كانوا يرصدون لمن يريد الإيمان فيمنعونه وكانوا يلقون التشكيكات حول الإيمان والمؤمنين ((مَنْ آمَنَ)) مفعول تصدون، أي تمنعون من آمن عن سبيل الله، وعلى هذا فالصد هنا خاص بالمؤمنين إلا أن يُراد بـ "من آمن" الأعم من المؤمن ومن يريد الإيمان ((تَبْغُونَهَا))، أي تطلبون السبيل ((عِوَجًا)) منحرفاً لا سبيلاً مستقيماً، أو تطلبون سبيل الله عوجاً، أي تريدون أن تكون السبيل أعوج بإدخال التشكيكات عليها، والعوج مفرد بمعنى الميل والإنحراف ((وَأَنتُمْ شُهَدَاء)) في واقع الأمر وقرارة نفوسكم على عملكم الباطل ((وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)) بل مطّلع عالم عليه وسيعاقبكم به.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 100 | وحيث تقدّم أن أهل الكتاب يصدّون من آمن عن سبيل الله خاطب سبحانه المؤمنين أن لا يسمعوا الى أهل الكتاب حتى يضلّوا بتشكيكاته ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا)) جماعة ((مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ)) أُعطوا التوراة والإنجيل ((يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ))، أي يرجعونكم كفاراً بعد أن آمنتم وإنما خصّ فريقاً لأن جميع أهل الكتاب لم يكونوا سبب إضلالهم وإرجاعهم.
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 3:44 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 101
| ((وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ)) أيها المؤمنون بعد الإيمان ((وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ)) فإنكم قد عرفتم آيات الله ودلائله وعلمتم ذلك ومثل هذا الإنسان لا يمكن أن يكفر ((وَفِيكُمْ رَسُولُهُ)) الذي يدعو إليه بالبراهين والمعاجز، وهذا إستفهام إنكاري تعجبي جيء به تبعيداً لهم عن الكفر وإلفاتاً لهم الى الرصيد الإيماني الموجود عندهم ((وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ))، أي يتمسك بآيات الله وكتابه ودينه ورسوله، فلا ينخرط الى الشرك والكفر والعصيان ((فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) في الدنيا حيث يوصله الى حياة حرة كريمة مرفهة المرافق، وفي الآخرة حيث يسعده الى جنات النعيم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 102 | كانت الأفراد المنضوية تحت لواء الإسلام بما فيهم الآوس والخزرج معرّضة للتطاحن والتشاحن وقد كان الكفار وأهل الكتاب يستغلون سوابق هؤلاء وطبيعة النفس البشرية في إلقاء الفتن والتفرقة بينهم ليفتحوا ثغراً في أصحاب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولذا نصحهم القرآن بأن يبقوا على وحدتهم وأن لا يتفرقوا ويتقوا الله فيما أمر ونهى ولا يطيعوا أهل الكتاب في أقوالهم المفرِّقة ودسائسهم المشتِّتة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ)) خافوا عقابه فأطيعوه فيما أمركم ونهاكم ((حَقَّ تُقَاتِهِ)) من "وقيت"، أي كما يحق أن تتقوه، فإن التقوى من الله سبحانه أمر صعب جداً، إذ يلازم الإنسان في جميع شؤونه وأحواله ((وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) فلا يغرّنّكم الشيطان بأن يُخرجكم من الإيمان حتى تموتوا كافرين ولعل المناسبة بين الجملتين أن من لا يتّقي ينجر آخر أمره الى الكفر كما قال سبحانه (ثم كان عاقبة الذين أسائوا السوئى أن كذّبوا بآيات الله).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 103 | ((وَاعْتَصِمُواْ))، أي تمسّكوا ((بِحَبْلِ اللّهِ)) وحبل الله دينه وقرآنه شبّه بالحبل بمناسبة أن من يتمسك بالحبل لابد وأن يرفع نحو الفوق وكذلك من يتمسك بالإيمان يصعد به في الدنيا الى المراتب الراقية وفي الآخرة الى جنات خالدة ((جَمِيعًا))، أي جميعكم لا بعضكم دون بعض ((وَلاَ تَفَرَّقُواْ)) بأن يتمسك البعض بحبل الله والبعض بحبل الشيطان، وهذا تأكيد لقوله (جميعا) ((وَاذْكُرُواْ))، أي تذكّروا ((نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء)) قبل الإسلام يعادي بعضكم بعضا ((فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ)) جعلها قريبة بعضها الى بعضكم حيث أدخل الإيمان فيها فخرج ما كان فيها من الضغن والإحن والحسد والعداوة ((فَأَصْبَحْتُم)) أيها المسلمون ((بِنِعْمَتِهِ))، أي بسبب نعمة الأُلفة التي وهبها الله عليكم ((إِخْوَانًا)) أحدكم أخ الآخر في الإيمان له ما لأخيه وعليه ما عليه وإن هذه النعمة قد خرقت العنوانات الجاهلية القبلية والقطرية واللونية وما أشبههما ((وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ)) الشفا الطرف، والحفرة المكان المحفور في الأرض، أي كنتم أيها المسلمون على طرف حفرة من النار، نار الدنيا وهي العقوبات والإضطرابات، ونار الآخرة التي أوقدت للكفار ((فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا)) بالإسلام الذي نظّم دنياكم وآخرتكم حتى لا تقعوا فيها ((كَذَلِكَ))، أي كما بيّن لكم هذه الأمور واضحة جليّة ((يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ)) دلالاته وحججه ((لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) الى الحق والى طريق مستقيم، وماورد في بعض الأحاديث أن المراد من حبل الله الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أو القرآن فإنما هي مصاديق جليّة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 104 | وحيث أنقذكم الله من الهلاك، وهداكم فمن الجدير أن تهدوا سائر الناس ((وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ))، أي يجب أن يكون منكم جماعة ((يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ)) كل خير من الإسلام والدين والأحكام وغيرها ((وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ)) والمعروف كل فعل حسَّنه الشرع أو العقل سواء وصل الى حدّ الوجوب أم الى حدّ الندب، وإنما سمّي معروفاً لأن الناس يعرفونه ((وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)) وهو بعكس المعروف كل ما يقبِّحه الشرع أو العقل وسمّي منكراً لأن الناس ينكرونه ((وَأُوْلَئِكَ)) الذين يتّصفون بهذه الصفات الثلاث ((هُمُ الْمُفْلِحُونَ))، أي الفائزون الناجون.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 105 | ((وَلاَ تَكُونُواْ)) أيها المسلمون بعد الأُلفة والأخوّة ((كَالَّذِينَ)) من قبلكم تألّفت قلوبهم بسبب الأنبياء ثم ((تَفَرَّقُواْ)) شيعاً وأحزاباً ومذاهب ومبادئ ((وَاخْتَلَفُواْ)) فأخذ كل فريق منهم جانباً ((مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ)) الأدلة الواضحة على على وحدة العقيدةوالمبدء وأركان الإيمان ((وَأُوْلَئِكَ)) الذين اختلفوا وخالفوا الحق منهم ((لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) حيث بدّلوا وغيّروا وحرّفوا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 106 | ثم بيّن سبحانه أن ذلك العذاب العظيم في أيّ وقت يكون، إن العذاب يكون في ((يَوْمَ)) هذه صفته ((تَبْيَضُّ)) فيه ((وُجُوهٌ)) هي وجوه المؤمنين الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وابيضاض الوجه كناية عن فرحه ونضارته وتنعّمه ((وَتَسْوَدُّ)) فيه ((وُجُوهٌ)) هي وجوه الكافرين، واسوداده حقيقة فإن الوجه عند الهم الكثير يميل لونه الى السواد والكدرة لتهاجم الدم ونحوه، أو كناية عن كلوحه وبؤسه وهمومه ((فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ)) يُقال لهم ((أَكَفَرْتُم)) على نحو الإستفهام التوبيخي ((بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)) أما أن يُراد الإيمان الحقيقي بأن يكون المراد منهم الذين اختلفوا وتفرّقوا وارتدّوا بعد الإيمان، وأما أن يُراد الإيمان الفطري فإن كل إنسان مؤمن فطرة كما قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : "كلّ مولود يولد على الفطرة إلا أن أبويه هما اللذان يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه" ((فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ))، أي بسبب كفركم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 107 | ((وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ)) وهم المؤمنون الذين عملوا الصالحات ((فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ)) ثوابه ورضوانه وجنته ((هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) أبد الآبدين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 108 | ((تِلْكَ)) التي ذكرت في أحوال المؤمنين والكافرين وغيرها ((آيَاتُ اللّهِ)) علائمه ودلائله وحججه ((نَتْلُوهَا عَلَيْكَ)) يارسول الله ((بِالْحَقِّ)) فإن التلاوة قد تكون بالباطل إذا كان المتلو أو الغرض من التلاوة باطلاً ((وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ))، أي لا يريد أن يظلم أحداً، فقد تقرر في علم الكلام أن إرادة الظلم -كالظلم نفسه- قبيحة فما يصير إليه حال الكافرين من إسوداد وجهه ليس ظلماً له وإنما يكون بالعدل وجزاء عمله.
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 3:45 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 109
| ((وَ)) كيف يريد الله ظلماً والحال أنه ((لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)) والظلم ينشأ من الإفتقار فهو الغني المطلق ((وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ)) أمور الخلق فإن الله سبحانه يعيد المخلوق ليجازيهم، وهذا تشبيه بالرجوع المادي الذي يكون بين الحاكم والمحكوم حيث يُساق المحكوم نحو الحاكم ليحكم عليه، وإذ كان الأمر يرجع الى الله فلا يظن الكافر أنه يتمكن من الفرار عنه سبحانه حتى لا يُعاقَب بما عمل من السيئات.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 110 | ويرجع السياق هنا الى ما تقدّم من لزوم الدعوة الى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ((كُنتُمْ)) أيها المسلمون، و"كان" لمجرد الربط، لا بمعنى الماضي ((خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ))، أي خير جماعة ظهرت للناس، فإن كل أمة تظهر للناس في فترة ثم تختفي وتغيب لتأخذ مكانها أمة أخرى، وإنما كان المسلمون خير أمة لخصال ثلاث بها تترقى الأمم الى الأوج هي ((تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)) فإن المجتمع إذا خلى عن هذين الواجبين أخذ يهوي نحو السفل لما جُبل عليه من الفساد والفوضى والشغب، فإذا تحلّى المجتمع بهذين الأمرين أخذ يتقدّم نحو مدارج الإنسانية والحضارة الحقيقية حتى يصل الى قمة البشرية ((وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)) إيماناً صحيحاً لا كإيمان أهل الكتاب والمشركين، والإيمان الصحيح بالله رأس الفضائل فإنه مع قطع النظر عن كونه إدراكاً لأعظم حقيقة كونية محفّز شديد نحو جميع أنواع الخير ومنفّر قوي عن جميع أصناف البشر ((وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ)) إيماناً صحيحاً لعدم الشرك وقبول قول الله سبحانه في نبوة نبي الإسلام محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((لَكَانَ)) إيمانهم ((خَيْرًا لَّهُم)) في دينهم ودياهم حتى تنظم دنياهم على ضوء الإسلام فتخلو من الجهل والمرض والفقر والرذيلة ويكونون في الآخرة سعداء ينجون من عذاب الله، وليس المراد بـ "خير" معنى التفضيل بل هو تعبير عُرفي، حيث يظهر للناس أنهم في خير في الجملة، وعلى هذا يكون إيمانهم أكثر خيراً وأفضل، ثم بيّن سبحانه أن ليس كل الذين كانوا من أهل الكتاب بقوا على طريقتهم فإن ((مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ)) بالله وبالنبي وبما جاء به كالنجاشي وابن سلام وغيرهما ((وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)) الخارجون عن طاعة الله باتباع أهوائهم المضلّة طرايقهم الزائفة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 111 | ولقد كان كفار أهل الكتاب يؤذون المؤمنين منهم خاصة وسائر المؤمنين عامة وكان المؤمنون من حيلهم ومؤامراتهم في قلق واضطراب، ولذا هدّء الله سبحانه من روع المؤمنين بقوله ((لَن يَضُرُّوكُمْ))، أي لن يضر أهل الكتاب إياكم أيها المؤمنون ((إِلاَّ أَذًى)) يسيراً فإن مؤامراتهم تفشل وحيلهم تخسر ولا يبقى إلا تشويشات وإشاعات وهي مما لا تضر ضرراً معتدّاً به، أما مايظن المسلمون أنهم يتمكنون من إقتلاع جذورهم وإبادة دينهم فإن يكون ذلك أبداً بل المسلمون هم المنصورون ((وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ)) جمع دُبُر في الظهر، أي ينهزمون فارّين ((ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ))، أي لا ينصرهم أقوالهم لما أُلقي في قلوبهم من رعب الإسلام وخوف من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكان مصب الآية الكريمة اليهود فهم المعنيون بهذا الكلام بقرينة الآية التالية.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 112 | ((ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ))، أي ضربها الله عليهم فهم أذلاّء الى الأبد وهي ثابتة لهم ومحيطة بهم وأيّة ذلّة أعظم من أنه ليست لهم دولة مستقلة وهم مهانون دائماً وجميع الدول تطاردهم إلا في ظرف مصلحتها الخاصة فهم كالعبيد المسخرة إن إستفاد مولاهم أطعمهم وإلا طردهم ((أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ))، أي وُجدوا ((إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ))، أي إلا إذا تمسّكوا بحبل الله تعالى بالإيمان به وبمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبما جاء به حتى يكونوا كالمسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ((وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ))، أي تمسّكوا بحبل دولة قوية تحميهم، والواو للتقسيم نحو الكلمة إسم وفعل وحرف، لا للجمع ((وَبَآؤُوا)) أُرجعوا ((بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ)) فكان الناس جائوا للإغتراف من مناهل الإسلام وكانت اليهود فيهم فالناس رجعوا بالإسلام وحب الله سبحانه وهؤلاء رجعوا بالكفر وغضب الله تعالى ((وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ))، أي الفقر الروحي الذي هو أعظم أقسام المسكنة فإن أرواحهم تهفوا الى المادة أكثر من روح أي فقير مسكين وهم على ثروتهم الظاهرة من أفقر الخلق نفساً وروحاً ((ذَلِكَ)) العقاب الدنيوي لهم ((بِـ)) سبب ((أَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ)) فموسى نبيهم كان منهم في نصب وتعب فإنهم ما خرجوا من البحر إلا قالوا : ياموسى إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، واتخذوا العِجل، وآذوا موسى الى غير ذلك ((وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ))، أي كانوا يقتلونهم، وبغير حق : تأكيد، إشارة الى أنه لم يكن لهم حق في قتلهم حتى ظاهراً، فإنهم يقتلون الأنبياء لمجرد الدعوة الى الله والإرشاد والوعظ، لا لأنهم قتلوا منهم أحد أو نهبوا مالاً أو نحو ذلك، -وإن كان الأنبياء لو فعلوا ذلك كان بأمر الله وبالحق- لكن الأنبياء لم يكونوا فعلوا حتى ذلك -كما قال الإمام الحسين (عليه السلام) : "بِمَ تستحلّون دمي؟ أعَلى قتيل قتلته منكم؟" الى آخر كلامه- ((ذَلِكَ))، أي كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء ((بِـ)) سبب ((مَا عَصَوا))، أي عصيانهم لأوامر الله سبحانه سبّب الكفر والقتل وهما سببا نقمة الله ولعنته ((وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)) يتجاوزون الحدود الدينية والبشرية.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 113 | ولمرة أخرى إستثنى القرآن الحكيم مَن آمن من أهل الكتاب، وإنه ليس كغيره ممن بقى على كفره وعناده وقد نزلت -كما قيل- حين أسلم جماعة من أهل الكتاب فقال الكفار منهم أنهم أشرارنا ((لَيْسُواْ سَوَاء))، أي ليس أهل الكتاب متساويين في ما تقدّم لهم من الصفات، ثم إبتدء قوله سبحانه ((مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ)) على الحق لا زائفة زائلة، وهم الذين آمنوا بالإسلام ((يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ)) المنزلة في القرآن المجيد ((آنَاء اللَّيْلِ)) ساعاته وأوقاته، فإن لقراءة القرآن في الليل أثراً كبيراً حيث أن هدوء النفس وهدوء الجو يوجبان وقوع الآيات في النفس أكثر من النهار ((وَهُمْ يَسْجُدُونَ)) لله سبحانه ويخضعون له بالصلاة والتعفير.
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 4:04 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 114
| ((يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)) إيماناً صحيحاً ((وَ)) يؤمنون بـ ((الْيَوْمِ الآخِرِ)) عن حقيقة فإن مَن آمن حقيقة بالحساب إنقلع عن الكفر والمعاصي ((وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ)) فإن المعتقد بيوم الحساب يُسارع في الخير حيث لا يدري أي يوم يموت فينقطع عمله ولا يتمكن من المزيد وكان الإتيان بباب المفاعلة للإشارة الى تسابق بعضهم بعضاً ((وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)) الذين يُصلحون ولا يُفسدون، وبتعبير آخر أعضاء صالحة في المجتمع وليسوا كما ذكر الكفار من أهل الكتاب أنهم أشرارهم، بل هم من أفضل الأخيار والصلحاء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 115 | ((وَمَا يَفْعَلُواْ))، أي ما يفعله هؤلاء المؤمنين من أهل الكتاب ((مِنْ خَيْرٍ)) من طاعة وعبادة ((فَلَن يُكْفَرُوْهُ))، أي لن يمنع عنهم جزائهم بخلاف سائر الكفار الذين تُحبط أعمالهم لكفرهم كرماد إشتدت به الريح في يوم عاصف ((وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)) يعلم أحوالهم وأعمالهم فيجازيهم على حسناتهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 116 | ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ)) بالله ورسوله ((لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ))، أي لن تفيد لهم ولن تدفع العذاب عنهم ((أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم)) فالمال والولد إنما ينفعان في الدنيا حيث يردّان المكروه بالرشوة والهدية والصلة، والمدافعة والمناصرة ((مِّنَ اللّهِ))، أي من عقاب الله وعذابه ((شَيْئًا)) ولو ضئيلاً ((وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ)) الذين يلازمونها كما يُقال صاحب فلان لمن يلازمه ((هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) الى الأبد، وقد تكرر أن الخلود للمعاند كما في دعاء كميل "من المعاندين" أما القاصر فإنه يُمتحن هناك كما دلّ عليه العقل والشرع.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 117 | وحيث تقدّم حال المؤمن وحال الكافر، ذكر حال إنفاق الكافر مقابلة لما تقدّم من خير المؤمن في قوله (وما يفعلوا من خير) ((مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ))، أي ينفقه الكفار ((فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) وكان ذكر هذه الخصوصية مع وضوحها للإشارة الى أن الحياة التي هي مزرعة ومن المقتضى أن ينمو ويبقى أثره للإنتفاع به في الآخرة، لا ينفع الكافر ((كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ)) الصِر هو البرد الشديد، أو السموم الحارة ((أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ)) فإنفاقهم كالحرث وكفرهم الموجب لبطلانه كالريح السامة ((ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ)) بأن زرعوا في غير موقع الزراعة في مهب الأرياح أو في غير أوانه كالشتاء مثلاً لو زرعوا بذور الصيف، أو المراد ظلموا أنفسهم بالمعصية فسلّط الله عليهم الريح كما قال (ولو أن أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) وإنما أوتي بهذه الجملة لظلم الكفار أنفسهم كظلم صاحب الحرث ((فَأَهْلَكَتْهُ))، أي أهلكت الريح الحرث -وهو الزرع- ((وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ)) في إبطال نفقاتهم، أو في إهلاك الريح حرثهم ((وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) بكفرهم أو بظلمهم، ولا يخفى أن قوله "مثل ما يُنفقون" "كمثل ريح" ليس المراد أن الإنفاق كالريح، بل يضرب المثل فيما كان المجموع من الأصل والشبه مرتبطين وإن كان مفردات الشبه لم تُذكر حسب السياق اللفظي، كما تقول "مثل زيد في تكلمه كمثل صوت الحمار" فالجملة شبهت بالجملة لأن الصوت شبهت بزيد والحمار بالتكلم كما يقتضيه السياق اللفظي في الترتيب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 118 | وفي سياق الكلام عن أحوال أهل الكتاب وبيان أنهم مختلفون مع المسلمين في العقيدة والعمل يأتي دور أن المسلم لا ينبغي له أن يتخذ صديقاً من هؤلاء ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ))، أي لا تتخذوا الكفار الذين هم غير المسلمين بطانة، وهي خاصة الرجل الذي يسرّ إليه بأمره ويستبطن خبره من بطانة الثوب الذي يلي البدن لقربه منه، و"من" للتبيين كأنه قال بطانة من المشركين، فقد كان المسلمون يواصلون رجالاً من أهل الكتاب لسابق صداقة أو قرابة أو جوار أو نحوها فنُهوا عن ذلك، ثم بيّن سبحانه سبب ذلك، ويحتمل أن يكون المراد بـ "دونكم" المنافقين، كما في بعض التفاسير بدليل قوله "قالوا آمنّا" فإنهم ((لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً)) لا يألونكم أي لا يقصرون بالنسبة إليكم، والخبال الفساد، أي هؤلاء البطانة لا يقصرون في فساد أمركم ولا يتركون جهدهم في مضرتكم ((وَدُّواْ))، أي أحبّوا ((مَا عَنِتُّمْ))، أي عنتكم، والعنت المشقة، وهذه كلها من صفات الأعداء ((قَدْ بَدَتِ))، أي ظهرت ((الْبَغْضَاء)) والعداوة ((مِنْ أَفْوَاهِهِمْ)) فإن فلتات كلامهم تدل على عداوتهم الكامنة ((وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ)) من الحقد لكم والعداوة ((أَكْبَرُ)) مما تظهر من ألسنتهم ((قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ)) أيها المسلمون المؤمنون ((الآيَاتِ)) والحجج التي بها تميّزون الصديق من العدو ((إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ)) لكم عقل وإدراك.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 119 | ثم بيّن سبحانه أنه كيف يمكن أن يحب المؤمن هؤلاء مع أنهم أعدائه ومع الإختلاف بينهم في العقيدة ((هَا)) تنبيه ((أَنتُمْ أُوْلاء))، أي الذين ((تُحِبُّونَهُمْ))، أي تحبون هؤلاء الكفار ((وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ)) لأنهم يريدون لكم الكفر والضلالة ((وَتُؤْمِنُونَ)) أنتم ((بِالْكِتَابِ كُلِّهِ)) وهم لا يؤمنون إلا ببعض الكتاب أما بعض الكتاب الآخر الذي فيه أوصاف محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإيمان به فلا يؤمنون به، أو المراد بـ "كله" أي جنس ما نزل على أنبياء الله، بخلافهم فإنهم لا يؤمنون بكتاب محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَإِذَا لَقُوكُمْ)) من الملاقات، أي رأوكم ((قَالُواْ آمَنَّا)) نفاقاً منهم لا أن الإيمان دخل قلوبهم، ويُحتمل أن يُراد الكفار، فإن من يتظاهر بالصداقة كثيراً ما يظهر قبول ما عليه صديقه مع أنه ليس بصبغة صديقه، وهذا بناءً على أن قوله "من دونكم" للكفار لا للمنافقين ((وَإِذَا خَلَوْاْ))، أي خلى بعضهم مع بعض ((عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ))، أي يعضون أطراف أصابعهم ((مِنَ الْغَيْظِ)) عليكم كيف تقدمتم وقوي دينكم ((قُلْ)) يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهم ((مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ)) فإن الغيظ لا يبرحكم فإن المسلمين يتقدمون ويستمرون في أعمالهم، أو دعاء عليهم ((إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) التي تضمن النفاق والكيد للمسلمين، فيجازيهم بما إقترفوه من الآثام والذنوب و"ذات الصدور" بمعنى بتلك الصدور.
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 4:04 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 120
| وكيف تتخذونهم بطانة والحال أن صفتهم هكذا ((إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ))، أي يصبكم خير، من المس بمعنى الإصابة ((تَسُؤْهُمْ))، أي تحزنهم ((وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ))، أي بليّة ومصيبة بإصابة العدو منكم أو فقر أو موت أو نحوها ((يَفْرَحُواْ بِهَا))، أي بسببها -كما هو حال العدو مع عدوه- ((وَإِن تَصْبِرُواْ)) على أذيتهم، وعلى مقاطعتهم إياهم الذي يجرّ إليكم عدائهم الظاهري، فإن كثيراً من الناس يخافون من مقاطعة المنافقين ائلا يبتلوا بعدائهم في الظاهر ((وَتَتَّقُواْ)) الله سبحانه حتى يكون هو نصيركم ((لاَ يَضُرُّكُمْ)) أيها المؤمنون ((كَيْدُهُمْ)) ومكرهم وحيلتهم ضدكم ((شَيْئًا)) لأنه سبحانه ينصركم ((إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ)) هم جميعاً المؤمنون والمنافقون ((مُحِيطٌ))، أي عالم بجميع أعمالهم، كالمحيط من الأجسام الذي لا يخلو منه طرف من المحاط، فيجازيهم أعمالهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 121 | وهنا يستعرض القرآن الحكيم قصة تدل على مدى تطبيق أحوال المنافقين التي سبقت على الواقع الخارجي، وإن الله كيف ينصر المسلمين في أحوج الساعات وأحلك الظروف، وذلك في غزوة أُحد حين خرجت قريش من مكة يريدون حرب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فالنتخب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) موضعاً للقتال وعباد أصحابه الذين بلغوا سبعمائة رجل فجعل عبد الله بن جبير في خمسين من الرمات على باب شعب في الجبل ليحفظوا حتى لا يهاجم العدو من خلف المسلمين فقال لهم لا تبرحوا من هذا المكان والزموا مراكزكم إن غَلبنا أو غُلبنا فلما انهزمت قريش وأخذ المسلمون ينهبون ثقلهم قال أصحاب إبن جبير له : قد غَنِم أصحابنا ونحن نبقى بغير غنيمة، فقال لهم : إتقوا الله فإن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نهانا أن نبرح أماكننا، فلم يقبلوا منه وأخذوا ينسل الرجل منهم فالرجل حتى خلت المراكز وبقي عبد الله في إثنى عشر رجلاً وغَنِم الكفار هذا الأمر فجاء خالد بن الوليد مع أصحابه وفرّقوا مَن بقي من المسلمين وقتلوهم على الشِعب وهجموا على المسلمين من خلفهم وهم مشتغلون بالنهب ورجع الكفار فطوّقوا المسلمين من جوانبهم ففرّ المسلمون ولم يبق مع الرسول إلا علي (عليه السلام) وأبو دجانة وقُتل من المسلمين جمع كثير بلغوا السبعين وفيهم حمزة عم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أسد الله وأسد رسوله ((وَإِذْ غَدَوْتَ))، أي خرجتَ ((مِنْ أَهْلِكَ))، أي من المدينة غدوة، يارسول الله ((تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ))، أي تهيّء لهم مراكز ((لِلْقِتَالِ)) في قصة أُحُد ((وَاللّهُ سَمِيعٌ)) لأقوالك ((عَلِيمٌ)) بما تنويه من حب الخير والهداية للناس عامة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 122 | ((إِذْ هَمَّت)) وعزمت ((طَّآئِفَتَانِ))، أي جماعتان ((مِنكُمْ)) أيها المسلمون، وهما بنو سلمة وبنو حارثة ((أَن تَفْشَلاَ)) وتجبنا وترجعا عن القتال وذلك لأن إبن أبي سلول المنافق جبّنهما عن لقاء العدو فهمّا بالرجوع لكنهما لم يفعلا ((وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا)) ناصرهما فله الفشل والخوف ((وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)) والتوكل معناه تفويض الأمر إليه سبحانه (ومن يتوكّل على الله فهو حسبه).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 123 | ((وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ)) أيها المسلمون ((بِبَدْرٍ)) في وقعة بدر وهو إسم بئر كانت هناك فسميت الغزوة بإسمها ((وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ)) جمع ذليل لأن عَددهم وعُددهم كانت قليلة لا تقوى على المقاومة ((فَاتَّقُواْ اللّهَ)) ولا تتوانوا عن الجهاد بعدما رأيتم نصرة الله في بدر وهذا لأجل تقوية قلوبهم في أُحُد وتصديق لقوله (والله وليّهما) ((لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))، أي نصركم لتقوموا بشكر نعمه عليكم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 124 | ((إِذْ تَقُولُ)) يارسول الله ((لِلْمُؤْمِنِينَ)) في غزوة بدر ((أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ)) وذلك لتقوية قلوب المؤمنين وبيان أن الله أرسل ملائكة لتقويتهم وتعزيز مركزهم، وهذا تذكير للمسلمين في أُحُد بسابق نصر الله لهم ((مُنزَلِينَ)) أنزلهم الله سبحانه لنصرة المسلمين ولقد حاربوا الكفار وقتلوا منهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 125 | ((بَلَى)) ليس الإمداد في يوم بدر بثلاثة آلاف فقط، بل قال لهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم بدر -تقوية لقلوبهم- ((إِن تَصْبِرُواْ)) على الجهاد ((وَتَتَّقُواْ)) المعاصي ((وَيَأْتُوكُم)) الكفار ((مِّن فَوْرِهِمْ))، أي فورانهم مندفعين عاجلاً نحوكم ((هَذَا)) الذي شاهدتموه إذ أتوكم كالسيل، فإن المسلمين خانوهم عند مجيئهم لما رأوا من كثرتهم ((يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم)) والإمداد إرسال المدد ((بِخَمْسَةِ آلافٍ)) أُخر -غير ثلاثة آلاف- ((مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ)) من سوّم الخيل إذا علّمته بعلامة، أو علّموا أنفسهم بعلامة حيث كانت عليهم عمائم بيض وأرسلوا أذنابها بين أكتافهم، وهناك قول آخر هو أن قوله تعالى "بلى" لموضوع أُحُد، فإن الكفار همّوا بالرجوع مرة ثانية بعد أن نالوا من المسلمين ما نالوا وخالف المسلمون فوعدهم الله تعالى أنهم رجعوا أمدهم بخمسة آلاف من الملائكة، لكن السياق يؤيد المعنى الأول، والله أعلم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 126 | ثم بيّن سبحانه أن إنزال الملائكة والوعد به ليس لأجل أنهم السبب في نصر المسلمين، بل لأجل البشارة وأما النصر فإنه من قبل الله وحده ولو بدون الملائكة حتى يتقوى قلوب المسلمين في الجهاد ((وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ))، أي ما جعل إنزال الملائكة والوعد به ((إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ))، أي بشارة لكم أيها المسلمون ((وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ))، أي بهذا الإنزال والوعد ((وَمَا النَّصْرُ))، أي ليس العون ((إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ)) في سلطانه ((الْحَكِيمِ)) في أموره.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 127 | أما حكمة نصر المسلمين على أعدائهم في هذه الغزوة وسائر الحروب ((لِيَقْطَعَ))، أي يفصل ((طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ)) الطرف من الأنفس بالقتل، ومن الأراضي بالفتح، ومن الأموال بالغنيمة ((أَوْ يَكْبِتَهُمْ))، أي يُخزيهم حتى يُرغموا وتقل شوكتهم ((فَيَنقَلِبُواْ)) الى أهليهم ((خَآئِبِينَ)) لم ينالوا بغنيمتهم بل إنعكس الأمر فكُبتوا ورُغموا.
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 4:05 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 128
| ((لَيْسَ لَكَ)) يارسول الله ((مِنَ الأَمْرِ)) المرتبط بهؤلاء الكفار ((شَيْءٌ)) فإن النصر والهزيمة والكبت كلها مرتبطة بإرادة الله سبحانه كما قال سبحانه (ومارميت إذ رميت ولكن اله رمى) وقال (هو الذي أخرج الذين كفروا من ديارهم) ثم رجع السياق الى تتميم قوله في الآية السابقة "أو يكبتهم" ((أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)) بأن تكون نصرة المؤمنين على الكفار سبباً لهداية جماعة منهم الى الإيمان فيتوب الله سبحانه عليهم فيما فعلوا سابقاً من الكفر والعصيان ((أَوْ يُعَذَّبَهُمْ)) بأن تظفروا عليهم فتأسروهم ((فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)) فتعذيبهم ليس ظلماً من الله عليهم بل لظلمهم أنفسهم فالأمر ليس بيدك يارسول الله، وإنما ينصر الله المؤمنين لأحد أغراض أربعة : قطع طرف منهم، أو هزيمتهم وإرغامهم، أو هدايتهم، أو تعذيبهم، والإعتراض بجملة "ليس لك" لتركيز كون النصر من عند الله، فإن إعتراض جملة في وسط جملة متسقة توجب إلفات الذهن وتركيز المطلب أكثر من بيان الجملة في موقعها الطبيعي.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 129 | ليس لك شيء ((وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)) فيفعل ما يشاء بمن يشاء فإنه تصرف في ملكه لحكمة وغاية ((يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء)) ممن إستحق الغفران بالطاعة والتوبة ((وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء)) ممن إستحق العذاب بالكفر والعصيان ((وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) فتعذيبه أقل من غفرانه فقد سبقت رحمته غضبه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 130 | ويرجع السياق هنا الى الربا والإنفاق مما مرّ بنا سابقاً، لمناسبة أن الربا من أسباب العذاب، والإنفاق من أسباب الغفران ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً)) فإن من شأن الربا أن يتضاعف مرات ومرات فإن ربا الألف لو كان خمسيناً يصبح ربا الألف والخمسين -في سنة ثانية- ألفاً ومائة وإثنين ونصف وهكذا يتضاعف الربا، ويمتص مال الفقراء وعملهم الذي به يسدّدون الدَين والربا معاً ((وَاتَّقُواْ اللّهَ)) خافوا عقابه ((لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))، أي لكي تفوزوا بالثواب والنعيم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 131 | ((وَاتَّقُواْ النَّارَ)) فلا تفعلوا ما يوجبها ((الَّتِي أُعِدَّتْ)) وهُيّئت ((لِلْكَافِرِينَ)) الذين يكفرون في الإعتقاد أو في العمل، أو المراد الكفار العقائديون والتخصيص بهم من أن العصاة أيضاً يذهبون الى النار، إن دوامها وبقائها عليهم، أو إنهم معظمهم أهلها.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 132 | ((وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ)) فيما يأمركم وينهاكم وذكر الرسول للتعظيم وإفادة أن أمره أمر الله سبحانه ((لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ))، أي لكي تُرحموا في الدنيا والآخرة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 133 | ((وَسَارِعُواْ))، أي بادروا ((إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ))، أي سبب المغفرة وهو الأعمال الصالحة الموجبة لغفرانه سبحانه ((وَ)) الى ((جَنَّةٍ عَرْضُهَا))، أي سعتها -لا العرض مقابل الطول ((السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ)) فهي وسيعة وسعة السماوات والأرض التي لا نهاية لها في التصور -فإن الفضاء الذي يعبّر عنه بالسماء مما لا يصل الفكر الى آخره ونهايته- ((أُعِدَّتْ)) وهُيّئت ((لِلْمُتَّقِينَ))، أي الذين يتّقون المعاصي.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 134 | ثم بيّن المتّقين بقوله سبحانه ((الَّذِينَ يُنفِقُونَ)) أموالهم ((فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء))، أي في حالتي اليسر والعسر أو حالتي السرور والإغتمام ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ)) الذين يكظمون غيظهم وغضبهم ويترجعونه فلا ينتقمون ممن سبّب غيظهم ((وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)) يعفون عنهم إذا ظلموهم ((وَ)) من فعل ذلك فهو محسن الى نفسه والى الناس و ((اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) ولا يخفى أن المتّقي هو الذي يجمع الصفات الحميدة كلها لكنها نُثرت في القرآن الحكيم بمناسبات نفسّر المتّقي في كل مكان ببعض صفاته كتناثر الزهور في أطراف الحديقة وإن كانت الحديقة تتركّب من المجموع.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 135 | ((وَالَّذِينَ)) عطف على "الذين يُنفقون"، أي أن المتّقين هم الذين ((إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً))، أي معصية تفحّش، أي تتجاوز الحد ((أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ)) بما لا تبلغ حدّ الفاحشة من سائر أقسام المعاصي، فالفاحشة أخذ في مفهومها كون المعصية كبيرة ((ذَكَرُواْ اللّهَ))، أي تذكّروا نهي الله وعقابه ((فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ))، أي طلبوا غفران الله وندموا على ما فعلوا ((وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ)) وهو إستفهام إستعطافي فالقرآن الحكيم يستعطف المذنبين نحو التوبة والإستغفار ((وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ)) من المعاصي، بل إنقلعوا وندموا ((وَهُمْ يَعْلَمُونَ))، أي يعلمون كون الفعل خطيئة، فلا يصرّون على الذنب مع علمهم به.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 136 | ((أُوْلَئِكَ)) المتّقون الذين هذه صفاتهم ((جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ)) يغفر ذنوبهم في الدنيا يسترها وفي الآخرة بالعفو عنها ((وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ))، أي من تحت نخيلها وأشجارها ((خَالِدِينَ فِيهَا)) أبد الآبدين ((وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)) فإن الغفران والثواب من أفضل أجر العاملين فإنّ أيّ أجر لا يبلغ مثل هذا الأمر الدائم الوارف.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 137 | ((قَدْ خَلَتْ))، أي مضت وسبقت ((مِن قَبْلِكُمْ)) أيها المخاطَبون ((سُنَنٌ)) جمع سُنّة بمعنى الطريقة، فقد كانت في الأمم السالفة طرائق، طريقة الحق وطريقة الباطل، طريقة الخير وطريقة الشر وهكذا ((فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ)) إذهبوا الى البلاد التي كانت فيها تلك الأمم المنقرضة ((فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ))، أي تعرّفوا الى أخبارهم حتى تعلموا أنهم لم يربحوا وإنما أتوا وكذّبوا الرُسُل وتأمروا ثم ماتوا ودُفنوا ولم يبق لهم ذكر طيب في الدنيا ولم تدم لهم النعمة التي من أجلها عملوا ما عملوا وإنما إنتقلوا الى عذاب الله سبحانه ليكون في ذلك عِبرة لكم فلا تكونوا من المكذّبين بل من المؤمنين المصدّقين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 138 | ((هَذَا)) القرآن، أو هذا الذي ذكرنا من أحوال المؤمن والكافر، وما قدّمناه من العِظة والإنذار ((بَيَانٌ لِّلنَّاسِ)) دلالة وحجّة وتوضيح لهم كيف ينبغي أن يسلكوا ويعملوا ((وَهُدًى)) يهديهم الى الحق ((وَمَوْعِظَةٌ)) وعظ وإرشاد ((لِّلْمُتَّقِينَ)) فإنهم هم الذين يستفيدون منه، وإن كان بياناً للناس عامة.
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 4:05 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 139
| وهنا يرجع السياق الى ذكر غزوة أُحُد، لتشجيع المؤمنين وتصبيرهم على تحمّل المكاره، بعدما بيّن أحوال المؤمن والكافر، حتى تقوى عزيمتهم ويطمئن قلوبهم ((وَلاَ تَهِنُوا)) من الوهن، أي لا تضعفوا عن قتال الأعداء ((وَلاَ تَحْزَنُوا)) مما نالكم من القتل والجرح والهزيمة ((وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ)) الظافرون الغالبون فإن الظفر يذهب بحرارة الخسارة ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) فإن من كان مؤمناً لا يهن ولا يحزن فإن طاقة الإيمان تؤمّن الإنسان بالقوة والفرح، أما القوة فهي مستمدة من الله سبحانه وأما الفرح فللغلبة أو لثواب الله سبحانه فيما لو غُلب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 140 | ثم بيّن سبحانه أن ما نالوه من المكاره ليس خاصاً بهم بل نال الكافرون مثل ما نالوا فهم في ذلك سواء لكن المؤمنين يرجون ثواب الله سبحانه مما لا يترقّبه الكافرون فهم أجدر بالصبر والثبات وعدم الوهن والحزن ((إِن يَمْسَسْكُمْ))، أي يُصبكم أيها المسلمون في غزوة أُحُد ((قَرْحٌ)) جراح وألم في أثحُد فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ)) الكافرين ((قَرْحٌ مِّثْلُهُ)) في أُحُد حيث أُصيب الكفار بالألم والجرح أيضاً، أو المراد مسّهم القرح في بدر حيث قُتل من المشركين وهُزموا ((وَتِلْكَ الأيَّامُ)) أيام النصر والهزيمة وأيام الفرح ((نُدَاوِلُهَا))، أي نصرفها ((بَيْنَ النَّاسِ)) فيوم لهؤلاء على أولئك ويوم لأولئك على هؤلاء فإذا نصرنا المؤمنين كان ذلك لإيمانهم وإذا هُزموا كان إمتحاناً لهم (( وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ))، أي أن صرف الأيام ليتميّز المؤمن الحقيقي من غيره فإن عند تقلّب الأحوال يُعرف جواهر الرجال وعند الإمتحان يُكرم الرجل أو يُهان، ومعنى "ليعلم" أن معلومه سبحانه يقع في الخارج، لا أنه كان جاهلاً -سبحانه- ثم عَلِم، فإن العلم لما كان أمراً إضافياً بين العالم والمعلوم، يُقال عَلِم بإعتبارين : أما إعتبار العالِم فيما كان جاهلاً ثم عَلِم، وأما بإعتبار المعلوم فيما كان المعلوم غير خارجي ثم صار خارجياً ((وَ)) لـ ((يَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء))، أي أن مداولة الأيام لفوائد ومن جملة تلك الفوائد أن يتخذ الله سبحانه منكم مقتولين يستشهدون في سبيل الله ويبلغون الدرجات الراقية بالشهادة، أو ليكون جماعة شهيداً على آخرين بالصبر أو الجزع، بالثبات أو الهزيمة، فإن إيصال جماعة قابلة الى مرتبة أن يكونوا شهداء نعمة وغرض رفيع، لكن المعنى الأول أقرب ((وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)) الذين يظلمون أنفسهم بالكفر أو بالهزيمة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 141 | ((وَ)) من فوائد تداول الأيام بين الناس أنه ((لِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ))، أي يخلّصهم من المنافقين فيتبيّن المؤمن من المنافق، أو يخلّصهم من الذنوب، فإنّ بالأهوال تُذاب الذنوب، وبالشدائد تُكفَّر الخطايا ((وَ)) لـ ((يَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)) يهلكهم، فإنّ الكفار ينقصون شيئاً فشيئاً حتى يهلكوا جميعاً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 142 | ثم يبيّن سبحانه فائدة أخرى لتداول الأيام وهي أن المؤمن لا يدخل الجنة بمجرد إظهار الشهادتين وإنما اللازم أن يجاهد ويعمل وفي تداول الأيام يحصل هذا العمل وهذا الإمتحان المؤهِّل لدخول الجنة، لكنه جاء الكلام في صورة الإستفهام تلويناً في الكلام وتفنّناً في التعبير ((أَمْ حَسِبْتُمْ))، أي هل حسبتم وظننتم أيها المسلمون ((أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ)) بمجرد الإيمان بدون الإمتحان ((وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ))، أي لم يقع منكم جهاد جتى يتعلّق علم الله به ((وَ)) لما ((يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)) فلم يقع منهم صبر حتى يتعلّق به علم الله سبحانه ودخول الجنة بدون الجهاد والصبر لا يكون، فتداول الأيام يوجب جهاد المؤمنين وصبرهم حتى يتأهلوا لدخول الجنة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 143 | ثم يشير القرآن الحكيم الى تأنيب المؤمنين في موقفهم يوم أُحُد، حيث أن جماعة منهم قبل الغزوة كانوا يتطلّعون الى الجهاد ويتمنّون الإستشهاد ثم فرّوا منهزمين، وفوق ذلك أن إيمان بعضهم كانت بمثابة من الوهن حتى إنهم لما سمعوا بموت الرسول أرادوا أن يرتدّوا ((وَلَقَدْ كُنتُمْ)) أيها المؤمنون ((تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ)) ولقاء الموت كناية عن لقاء مقدماته والوقوع في الأهوال المنتهية إليه ((فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ)) في الغزوة إذ رأيتم غَلَبة الكفار وقتل جماعة من المؤمنين ((وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ))، أي تشاهدون المعركة، وهذا تأكيد لمعنى "رأيتموه" حتى لا يتوهّم أحد أن الرؤية كانت بالقلب، فإن "رُأي" يستعمل بمعنى علم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 144 | ((وَمَا مُحَمَّدٌ)) (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((إِلاَّ رَسُولٌ))، أي ليس هو إلهاً لا يموت وإنما هو بشر إختاره الله للرسالة فيجري عليه ما يجري على البشر من الموت والقتل، وليس بدعاً جديداً بل ((قَدْ خَلَتْ))، أي مضت وتقدّمت ((مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ)) الذين جرت عليهم سُنّة الله من الموت ومفارقة الحياة ((أَفَإِن مَّاتَ)) موتة إعتيادية ((أَوْ قُتِلَ)) واستشهد ((انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)) إستفهام إنكاري توبيخي، أي لم يكن حالكم هكذا، حتى ترتدّوا بموت النبي، وكنّى عن الإرتداد بالمشي القهقري الذي هو رجوع نحو الوراء ((وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ))، أي من يرتدّ عن دينه ((فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا)) إذ الله سبحانه غني مطلق لا يحتاج الى إيمان أحد حتى يضره إرتداده ((وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)) الذين يشكرون نعمة الإيمان ويثبتون عليه فإن الإرتداد من أعظم أقسام الكفران كما قال (بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 145 | وهنا تلميح الى عتاب آخر موجّه نحو المسلمين في إنهزامهم يوم أُحُد خوف الموت، فلِمَ الفرار؟ أمِن خوف الموت؟ وليس الموت إلا بإذن الله تعالى، وما قُدّر من الأجل للإنسان، فالفرار وعدمه شيئان بالنسبة الى الوقت المحدّد لحياة الإنسان ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ)) أن النفوس ليست هملاً حتى تموت من تموت وتبقى من تبقى بأسباب عادية من غير توسّط مشية الباري سبحانه فإن الموت لا يكون ((إِلاَّ بِإِذْنِ الله)) ومشيئته ((كِتَابًا مُّؤَجَّلاً))، أي كتب الله ذلك الوقت في اللوح المحفوظ كتاباً ذا أجل ومدة محدودة معلومة ((وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا)) وخيرها وتعب وعمل لأجل المنافع الدنيوية ((نُؤْتِهِ مِنْهَا)) فإن الإنسان الذي عمل يرى نتيجة عمله ((وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ)) وخيرها وعمل لأجل ثواب الآخرة ((نُؤْتِهِ مِنْهَا)) بقدر ما عمل فارغبوا أيها المسلمون في ثواب الله وأجره الأخروي بالجهاد والثبات ولا تفرّوا كما فررتم في أُحُد ((وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)) جزاءً حسناً، ومن الشكر أن يعرف الإنسان قيمة ما خوّله الله سبحانه من الإسلام ووفّقه للجهاد بين يدي رسوله لإعلاء كلمة الله، فمن شكر ذلك يُجزى جزاء الشاكرين.
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 4:06 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 146
| وما لكم أيها المسلمون وهنتم في غزوة أُحُد وفررتم، أليس لكم الإقتداء بالمؤمنين السابقين الذين كانوا مع الأنبياء يصمدون في وجه الباطل ((وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ)) فإن كثيراً من الأنبياء قاتل وجاهد معه وتحت لوائه أُناس من المؤمنين منسوبون الى الرب تعالى بالطاعة والعبادة والإيمان، أو بمعنى أخيار فقهاء ((فَمَا وَهَنُواْ))، أي ما فتروا ((لِمَا أَصَابَهُمْ)) من القتل والسلب والجروح والقروح ((فِي سَبِيلِ اللّهِ)) للتنبيه على أن شدائدهم كانت في سبيل الله سبحانه ((وَمَا ضَعُفُواْ)) عن عدوهم ((وَمَا اسْتَكَانُواْ))، أي ما خضعوا ولا تضرعوا لعدوهم ((وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)) الذين يصبرون في الشدائد وفي الحروب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 147 | ((وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ))، أي قول أولئك الربّيّون عند الجهاد وملاقات الأعداء ((إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا)) فكانوا يستغفرون عند اللقاء مما فات منهم من الذنوب إستعداداً للقاء الله سبحانه طاهرين ((وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا))، أي تجاوزنا الحدود وتفريطنا وتقصيرنا ((وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا)) حتى لا تزل أمام الأعداء فتنهزم ((وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)) فهم جاهدوا وجلين من ذنوبهم لم يطلبوا إلا العفو في تواضع وخشوع، ولم يقصدوا إلا نصرة الدين على القوم الكافرين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 148 | ((فَـ)) جزاءً على ما سلف منهم من الصبر والثبات والجهاد في خشوع وتواضع ((آتَاهُمُ اللّهُ))، أي أعطاهم الله سبحانه ((ثَوَابَ الدُّنْيَا)) بالفتح والغلبة والعزة والرفاه ((وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ)) بجنات تجري من تحتها الأنهار، أي ثواب الآخرة الحسن، والإتيان بكلمة "حسن" هنا دون "ثواب الدنيا" لعله للإشارة الى أن ثواب الآخرة هو الذي يوصف بالحسن، أما الدنيا فإنها زائلة فلا قيمة معنوية لثوابها، أو المراد أحسن أقسام ثواب الآخرة الذي لا يُعطة إلا المجاهدون، بخلاف الدنيا فإن ثوابها عام للبَر والفاجر ((وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) ومحبة الله سبحانه فوق كل ثواب كما قال (ورضوان من الله أكبر).
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 149 | لما إشتدّ الأمر يوم أُحُد أخذ جماعة من المنافقين يدعون الناس الى الإرتداد عن دينهم حتى يستريحوا فأنزل الله فيهم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ)) من المنافقين، أو من اليهود والنصارى الذين أخذوا يشيعون أن محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قُتل فارجعوا الى دينكم وعشائركم ((يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)) كفاراً كما كنتم ((فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ)) قد خسرتم الدنيا والدين، فإن دنيا الجاهلية كانت فوضى وفقراً ورذيلة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 150 | ((بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ))، أي هو أولى بأن تُطيعوه من الكفار والمنافقين، وهو ينصركم على أعدائكم ((وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ)) لأن في نصرته خيراً للدارين بخلاف نصرة غيره.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 151 | ((سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ))، أي نقذف الخوف والفزع حتى تغلبوهم وهكذا ينصركم الله تعالى ((بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ))، أي بسبب شركهم ((مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا))، أي برهاناً وحجّة، فإن شركهم كان عن تقليد لا عن دليل وحجّة ((وَمَأْوَاهُمُ))، أي محلهم ومستقرهم ((النَّارُ)) في الآخرة ((وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ))، أي أن الناس بئس مقام الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر وقد ورد أن الآية نزلت حين همّ المشركون -يوم أُحُد- بالرجوع الى المسلمين لاستئصالهم عن آخرهم فلما عزموا ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما همّوا به، ولا يخفى أن إلقاء الرعب في قلب الكافر أمر طبيعي فإن المسلم يستمد القوة من الله سبحانه أما الكافر فحيث لا يعتقد به سبحانه يكون قلبه هواءً فيتسرّب إليه الخوف.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 152 | ثم بيّن سبحانه أن هزيمتهم يوم أُحُد لم يكن إلا بسبب مخالفتهم أوامر الله والرسول، وإلا فالله سبحانه نصرهم كما وعد حتى هزموا المشركين ((وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ)) وَفى لكم بما وعد من نصرتكم على الكفار ((إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ))، أي تقتلوهم، فإن حسّه بمعنى قتله وأبطل حسّه وحياته، ومعنى "بإذنه" : بأمره، فإن الله أذِن لهم في القتال كما قال (أُذِن للذين يُقاتَلون بأنهم قد ظُلموا) ((حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ)) جبنتم وكففتم وخالفتم أمر الرسول ((وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ)) هل يبقى الرماة الخمسون في الشِعب كما أمرهم الرسول أم يخرجوا يجمعون الغنائم -كما تقدّم- ((وَ)) بالآخرة ((عَصَيْتُم)) أمر الرسول في لزوم أماكنكم فتخلّيتم عن الشِعب، فقد تخلّى من الخمسين سبع وثلاثون ((مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم)) الله سبحانه ((مَّا تُحِبُّونَ)) من هزيمة الكفار ونصرة المسلمين ((مِنكُم)) أيها المسلمون ((مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا)) وهم الذين خالفوا الرسول طلباً للغنيمة ((وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ)) وهم عبد الله رئيس الرماة في الشِعب وإثنى عشر من أصحابه الذين ثبتوا في أماكنهم ((ثُمَّ صَرَفَكُمْ)) أيها المسلمون ((عَنْهُمْ))، أي عن الكفار، بل توجّهتم الى الغنائم عوض أن تحتفطوا بأماكنكم، فإن في حفظ المكان كان توجهاً نحو الكفار لئلا يرجعوا الى المسلمين من ورائهم، بخلاف التوجيه نحو الغنيمة فإنه كان صرفاً عن الكفار، وإضافته إليه سبحانه كسائر الإضافات نحو "ومن يُضلِل" أو باعتبار أن الصرف كان عقوبة لهم على إرادتهم للدنيا ((لِيَبْتَلِيَكُمْ))، أي يمتحنكم ويختبركم حتى يظهر ما أنتم عاملون ((وَلَقَدْ عَفَا)) الله سبحانه ((عَنكُمْ)) خطيئتكم بمخالفة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) ينصرهم على أعدائهم ويعفو عنهم ذنوبهم، ومعنى الفضل المنّ والنعمة فإنه يعطيهم فضلاً، أي فوق إستحقاقهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 153 | ولقد عفى عنكم ((إِذْ تُصْعِدُونَ))، أي تذهبون في وادي أُحُد للإنهزام، فإن الإصعاد الذهاب في الأرض ((وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ))، أي لا تلتفتون الى أحد من ورائكم بل كل همّكم السرعة في الفرار حتى لا يأتيكم الطلب ((وَالرَّسُولُ)) محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((يَدْعُوكُمْ)) يناديكم ((فِي أُخْرَاكُمْ))، أي من ورائكم، يُقال جاء فلان في آخر الناس أي من ورائهم ((فَأَثَابَكُمْ))، أي جازاكم الله على فراركم ((غُمَّاً)) متصلاً ((بِغَمٍّ)) غم الهزيمة وغم القتلى الذين قُتلوا منكم -ويحتمل في اللفظين أمور- ((لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ)) من الخير ((وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ)) من الضرر، فإن الإنسان إذا وقع في الشدائد وجرّبها ومارسها تصلب نفسه وتقوى روحه فلا تتزحزح بمصيبة ولا تهتز بكارثة، وهكذا كانت هزيمة أُحُد درساً وعبرة حتى يصغر في نفوس المسلمين كل ما يفوتهم من خيرات وكل ما يصيبهم من شرور وآلام ((وَاللّهُ خَبِيرٌ)) ذو خبر وإطّلاع ((بِمَا تَعْمَلُونَ)) فيجازيكم على حسب أعمالكم.
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 4:06 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 154
| ((ثُمَّ أَنزَلَ)) الله ((عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ)) الذي غشيكم لهزيمتكم ((أَمَنَةً))، أي أمناً ((نُّعَاسًا))، أي نوماً، وهو بدل إشتمال لـ "أمَنة" فإنهم ناموا من شدة التعب والنصب بعدما ذهب خوفهم وذهب الكفار، و"أمَنة" مصدر كالعظمة والغلبة لكن هذا النعاس كان ((يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ)) فقط الذين كانوا يعلمون أن محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حق وأن الله لا يتركه وأن ما أصابهم يوجب الثواب والفائدة لهم ((وَ)) هناك ((طَآئِفَةٌ)) ثانية كانوا مع النبي منافقين ((قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ)) يفكرون في هزيمتهم لا ينامون من الحزن والخوف حين إنتشر بينهم أن الكفار عازمون على الرجوع وكانوا يشكّون في نصرة الله، ولذا لم يتمكنوا من الخوف أن يناموا ((يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ)) وأنه لا ينصر نبيّه ((ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ)) من الكفار المكذبون بوعد الله سبحانه ((يَقُولُونَ)) ما في نفوسهم من الظنون الجاهلية ((هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ)) أمر الغلبة والنصرة ((مِن شَيْءٍ)) في مقام الإستنكار والتعجب أن ينتصروا على الكفار إذا رجعوا ((قُلْ)) لهم يارسول الله (( إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)) ينصر من يشاء فللمسلمين النصر والغلبة بإعطاء الله لهم إياها ((يُخْفُونَ)) هؤلاء المنافقون ((فِي أَنفُسِهِم)) النفاق والكفر ((مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ))، أي لا يتجرئون على إظهاره ((يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ))، أي من النصرة والغلبة ((شَيْءٌ)) وكنا حقيقة منصورين ((مَّا قُتِلْنَا))، أي ما قُتل أصحابنا ((هَاهُنَا)) في غزوة أُحُد ((قُل)) يارسول الله في جوابهم أن كون الأمر لنا لا يلازم أن لا يُقتل منا أحد فإن الإنسان يموت إذا جاء أجله ولو كان في داره ومنزله ((لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ))، أي خرج الذين كُتب عليهم القتل بأن رقم موتهم في اللوح المحفوظ الى مصارعهم، ومضاجع جمع مضجع بمعنى محل المنام ((وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ)) يختبر الله ما في صدوركم، فإن ما في الصدور من الإخلاص والنفاق، والثبات والوهن إنما يظهر لدى الشدائد والمحن، وهذا عطف على قوله "ليبتليكم" أو مستأنفة، أي فعل الله سبحانه ما فعل ليبتلي ((وَلِيُمَحَّصَ))، أي يخلص ((مَا فِي قُلُوبِكُمْ)) بأن يكشفه للناس ولكم حيث أن الإنسان يظن أشياء فإذا حدث الحادث يظهر له خلاف ما كان يظن بنفسه ((وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) فليس الإمتحان لأن يعلم هو تعالى، بل لأن يظهر ما يعلمه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 155 | ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ)) أدبروا وانهزموا ((مِنكُمْ)) أيها المسلمون ((يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ)) يوم أُحُد الذي إلتقى جمع المسلمين بقيادة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بجمع المشركين بقيادة أبي سفيان ((إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ)) طلب زلّتهم وعصيانهم ((بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ))، أي بسبب بعض المعاصي التي كانوا يعملونها فأخذتهم عاقبتها وشُؤمها ((وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ)) بعدما ندموا ورجعوا ((إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ)) يغفر للمذنب إذا تاب ((حَلِيمٌ)) لا يعجل بالعقوبة بل يمهل الذنب كي يتوب ويئوب.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 156 | ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ)) إعتقاداً وهم الكفار الذين لا يدينون بما وراء الغيب، أو كفروا عملاً وهم المنافقون ومن أشبههم ((وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ)) في العقيدة، أو في الإنسانية، حتى يشتمل قول الكافرين للمؤمنين، وقوله "لإخوانهم" أي قالوا بانسبة الى الأخوان الذين سافروا فماتوا أو حاربوا فقُتلوا ((إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ))، أي ذهبوا لأجل التجارة ونحوها، يُقال ضرب فلان في الأرض إذا سافر، وتخصيص الأرض بالذكر لكون السفر غالباً من طرق البر ((أَوْ كَانُواْ غُزًّى)) جمع غازي، أي حاربوا الأعداء ((لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا)) مقيمين في أوطانهم ((مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ)) فقد حسبوا أن الموت والقتل لا يكونان إلا بتقدير وقضاء وليس يفيد في ذلك البقاء، وفي هذا ردّ لإرجاف المنافقين الذين كانوا يلقون تبعة قتل المؤمنين في أُحُد على النبي وأنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخرجهم فقُتلوا، ومعنى القضاء والقدر في الأمور في الأمور التكوينية التخطيط وتهيئة الأسباب، فكما أن المهندس الذي يريد بناء دار يخطط شكل الدار المراد بنائها ثم يحضّر مواد البناء من آجر وجص وحديد وخشب، كذلك ما في العالَم من الأمور التكوينية خطّطت وعلّمها الله سبحانه وأحضرت موادها لكن ليس معنى ذلك أن الأمور خارجة عن أيدي البشر وإنما جُعل الدعاء والصدقة والأسباب الظاهرة مستثنيات للتخطيط والآلات والأسباب وكل ذلك أيضاً بعلمه سبحانه، وعلى كلٍّ فليس الموت والقتل مما يكون سببهما السفر والغزو كما زعمه الكفار بل هناك أسباب خفيّة تدير هذين الأمرين الى جنب الأسباب الظاهرة، فليس كل سفر وغزو موجباً للموت كما ليس كل إقامة موجباً للبقاء، والكفار إنما قالوا ذلك يريد تثبيط الناس عن الجهاد ((لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ)) الإعتقاد - المفهوم من الكلام- ((حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ)) لما حصلت لهم من الخيبة حيث رأوا رجوع إخوانهم من السفر والجهاد بالربح والظفر ومن الطبيعي أن يحزن ويخسر الشخص الجامد لما ناله الشخص المتحرك المتحتم من الخير والتقدم، واللام في "ليجعل" أما لام الأمر لبيان التأكيد، أو لام العاقبة، أي كانت عاقبة هذا الإعتقاد الحسرة والحزن ((وَاللّهُ يُحْيِي)) الأرض والجماد إنساناً ((وَيُمِيتُ)) فليس السفر والغزو تمام سبب الموت ((وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) فارغبوا في الطاعة والجهاد، واحذروا من المخالفة والفرار، فإن الله سبحانه يعلم أعمالكم يبصر صُنعكم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 157 | ثم لنفرض أن السفر والغزو سبب الموت فهل الموت مع المغفرة خير أم الحياة لجمع الأموال التي يحياها الكافر الذي يبقى في بلده ((وَلَئِن قُتِلْتُمْ)) أيها المؤمنون ((فِي سَبِيلِ اللّهِ)) وجهاد أعدائه ((أَوْ مُتُّمْ)) في سبيل إكتساب الرزق والتجارة والضرب في الأرض ((لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ)) حيث يغفر لكم ويرحمكم حيث كنتم مطيعين له ممتثلين أمره ((خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ))، أي يجمع هؤلاء الكفار الباقون في بلدهم خوفاً من الخروج فإنّ مَن يبقى يكتسب ويجمع مالاً.
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 4:07 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 158
| ثم أن الموت والقتل لا يسبّبان إنقطاع الحياة حتى يخشاهما الإنسان ويرفع اليد عن مقاصده العالية من خشيتهما ((وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ)) فيجازيكم على أعمالكم فخير لكم أن تطيعوه حتى تكونوا مردّاً لثوابه وفضله.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 159 | وهنا يلتفت السياق ليثير في النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عاطفته الكامنة نحو المؤمنين حتى يعفو عن عملهم في أُحُد، حيث أخلوا الشِعب حتى سيطر المشركون على المعركة، وفعلوا تلك الأفاعيل بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه من جرح وقتل وتمثيل ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ)) "ما" زائدة، أي بسبب رحمة الله من الله سبحانه على المؤمنين ((لِنتَ لَهُمْ))، أي كنت ليّناً رحيماً بهم فقد جعله الله سبحانه رحيماً بهم ليّناً عليهم ((وَلَوْ كُنتَ)) يارسول الله ((فَظًّا)) الجافي اللسان القاسي القلب ((غَلِيظَ الْقَلْبِ)) غلظاً معنوياً وهو الذي لا يلين ولا يحنو ((لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ))، أي تفرقوا عنك ((فَاعْفُ عَنْهُمْ)) إذا أخطأوا ((وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ))، أي أطلب لهم من الله الغفران لما صدر من ذنوبهم، والله سبحانه وإن كان أرحم بهم لكن ذلك لزيادة عطف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإنّ من يطلب المغفرة لأحد لابد وأن يزول من قلبه ما علقت به من الكراهية، ولتكثير محبة المؤمنين له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث يعلمون بأنه يستغفر لهم ((وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)) لتأليف قلوبهم ولتعليمهم المشورة في أمورهم، فإنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)كان في غِنى عنهم بما كان يسدّده الله سبحانه بالوحي ((فَإِذَا عَزَمْتَ)) بعد المشورة على فعل ((فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ)) ولا تهتم بمن خالف رأيه رأيك يارسول الله ((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) الواثقين به المعتمدين عليه الذين يكِلون أمورهم إليه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 160 | ((إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ)) أيها المؤمنون، وذلك إذا إستحققتم ذلك بإيجاد أسباب النصر وإطاعة أوامره سبحانه ((فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ))، أي لا يقدر أحد على أن يغلبكم ((وَإِن يَخْذُلْكُمْ)) وخذلان الله سبحانه أن لا يكلهم الى أنفسهم ولا يعينهم في أمورهم ((فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ)) إستفهام إنكاري، أي لا يكون ناصر لكم ينصركم من بعده سبحانه ((وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ)) يثقون به ويعتمدون عليه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 161 | لقد كان من أسباب تخلّي المسلمين مكانهم من الجبل -يوم أُحُد- خوفهم ألا يُقسّم لهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الغنائم، وقد تكلّم بعض المنافقين في وقعة بدر حول قطيفة حمراء فُقدت فقالوا بأن الرسول أخذها، ولذا نزلت الآية نافية أن يغلّ الأنبياء ويخونوا ((وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ))، أي لا يجوز للأنبياء الغلول أي الخيانة، والخيانة محرّمة مطلقاً لكن المورد خاصاً حيث أن الكلام كان حوله ((وَمَن يَغْلُلْ)) شريفاً كان أو وضيعاً قليلاً كان غلاله أو كثيراً ((يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) وفي الحديث يأتي به على ظهره ((ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ))، أي يُعطى جزاء كسبه كاملاً غير منقوص ((وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)) فلا ينقص من أجورهم شيء ولا يعذّبون فوق إستحقاقهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 162 | ((أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ)) باتباع أوامره واجتناب نواهيه ((كَمَن بَاء))، أي رجع ((بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ)) فكأنه رجع الى أعماله الدنيئة بعد أن ذهب الى الله سبحانه فعلم ماذا يريد، فقد رجع مع السخط بينما رجع غيره مع الرضوان ((وَمَأْوَاهُ))، أي مرجعه ومصيره ((جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ))، أي أن المحل الذي صار إليه محل سيء، فعلى الإنسان أن لا يفر من الحرب ولا يتخلّف عن أمر الله والرسول حتى يبوء بالغضب والسخط ويكون مصيره النار.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 163 | ((هُمْ))، أي هؤلاء الذين بائوا بالسخط والذين اتبعوا رضوان الله، ذوو ((دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ)) فللمؤمنين درجات رفيعة ولغيرهم درجات بذيئة، أو أن لكل فريق درجات من حيث القُرب والبُعد، وحذف كلمة "ذووا" لما تعارف من المجاز في هذه التعبيرات بعلاقة الحال والمحل فيُقال عند العد : زيد الدرجة الأولى، عمرو الدرجة الثانية، وهكذا ((واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)) فيجازيهم حسب أعمالهم فلا يزهد الإنسان في الإحسان لأنه لا يُقدِّر ولا يجزي العاصي في المعصية لأنه لا يرى.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 164 | إن النعمة التي أنعم الله على المسلمين مما يوجب شكرها والتضحية في سبيلها فهي نعمة كبيرة جداً لا تماثلها نعمة ولا يبلغ شأنها إحسان ومنّة ((لَقَدْ مَنَّ اللّهُ))، أي أنعم الله، فإن المنّ القطع، وتسمى النعمة منّة لأنها تقطع الإنسان عن البليّة والفاقة ((عَلَى الْمُؤمِنِينَ)) إنما خُصّوا بالذكر مع أن المنّة عامة لأنهم هم الذين إستفادوا منها دون سواهم ((إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً)) فإنه أعظم النعم، ولذا لم يمنّ الله على الإنسان بأية نعمة سواها، فإنّ في الإرسال صلاح الدين والدنيا والآخرة وإكمال البشر حسب قابلياته ((مِّنْ أَنفُسِهِمْ)) تذكير بنعمة أخرى، إذ كون الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جنس البشر -لا الملائكة والجن- تشريف لهم وإظهار لفضل هذا النوع، وحيث أن السياق حول مؤمن الإنس لا يستشكل بأن المؤمنين أعم من الجن وليس الرسول من أنفسهم ((يَتْلُو)) الرسول ((عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ)) تلاوة كما يتلو المعلم الدرس على التلميذ ((وَيُزَكِّيهِمْ)) يطهّرهم من الأدناس الظاهرية بأوامر النظافة وما أشبه والأقذار الخلقية والإعتقادية بإرشادهم الى الحق والفضيلة ((وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ)) يفهّمهم معانيه وهو غير التلاوة ((وَالْحِكْمَةَ)) وهو علم الشريعة أو مطلقاً بمعنى أنه يعلّمهم مواضع الأشياء خيرها وشرها فإنّ الحكمة كما قالوا : وضع الشيء موضعه ((وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ))، أي قبل أن يأتيهم الرسول ((لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ))، أي إنحراف واضح في عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم فعلى المؤمنين أن يضحّوا في سبيل هذه النعمة بكل غالِ ورخيص، فما فعلوا يوم أُحُد كان خلاف الشكر، وما ضحّوا فيه لم يكن كثيراً مقابل هذه النعمة العظمى.
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 4:07 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 165
| ((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ))، أي هل أنتم بحيث لما أصابتكم مصيبة في أُحُد والحال أنكم في بدر ((قَدْ أَصَبْتُم)) من الكفار ((مِّثْلَيْهَا)) فإنه قُتل منكم في أُحُد سبعين، وقد أصبتم من الكفار مائة وأربعين إذ قتلتم منهم سبعين وأسرتم منهم سبعين في واقعة بدر ((قُلْتُمْ : أَنَّى هَذَا))، أي من أيّ وجه أصابنا هذا ونحن مسلمون، وهذه الجملة "أوَلَمّا .." إستنكارية، أي كيف تستنكرون إصابتكم بأُحُد والحال أنكم قد أصبتم في بدر مثلي ما أصابتكم، ثم إن هذه الإصابة كانت لضعف نفوسكم حيث أغراكم المال وأخليتم أماكنكم في الجبل ((قُلْ)) يارسول الله ((هُوَ))، أي ما أصابكم ((مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ)) الجشعة الى حب الغنيمة والمال ((إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) يقدر أن ينصركم على أعدائكم كما يقدر أن يخذلكم حين تتركون أوامره، وفي بعض الأحاديث أنهم في بدر خُيِّروا بين أخذ الفدية من الأسرى على أن يُقتل منهم في العام القابل سبعون بعدد الأسرى وبين أن يقتلوا الأسرى ولا يا×ذون الفدية فطلبهم للمال أوجب إختيار الأول، وعلى هذا كان ما أصابهم في أُحُد "من عند أنفسهم".
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 166 | ((وَمَا أَصَابَكُمْ)) أيها المسلمون ((يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ))، أي حين تلاقى المسلمون والكفار في يوم أُحُد ((فَبِإِذْنِ اللّهِ))، أي بعلمه أو بأنه لم يحل بين الكفار وبينكم حتى أصابوا منكم وهذا كالإذن تكويناً، وقد أذِنَ سبحانه لفائدة التمييز بين المؤمن والمنافق ((وَلِيَعْلَمَ))، أي يتحصّل علمه في الخارج ((الْمُؤْمِنِينَ)) الذين جاهدوا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 167 | ((وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ)) أظهروا الإسلام وأبطنوا النفاق وهم إبن أبي سلول وجماعته حيث أنهم إنخذلوا يوم أُحُد نحو اً من ثلثمائة رجل قالوا : علام نقتل أنفسنا ((وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ)) فإنّ عمرو بن حزام الأنصاري قال لهم هذه المقالة ((أَوِ ادْفَعُواْ)) عن حريمكم وأنفسكم فإنّ الكفار إذا غلبوا نكّلوا بكم ((قَالُواْ))، أي قال أولئك المنافقون في جواب المؤمنين ((لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ)) فإنّ هذا الذي تخوضونه ليس بقتال إذ لو كان قتالاً لأخذتم رأينا فيه، أو يريدون إلقاء النفس في التهلكة فليس قتالاً يتكافئ فيه الجانبان ((هُمْ))، أي هؤلاء المنافقون ((لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ)) فكلما عمل المنافق بالخلاف كان أقرب الى الكفر وكلما عمل بالوفاق كان أقرب الى الإيمان ((يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)) فأفواههم تنطق بالإيمان وقلوبهم تضمر الكفر والعصيان ((وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)) في قلوبهم فيجازيهم حسب نفاقهم المضمر،..، أقول : الظاهر أن قوله "وليعلم.." ليس عطفاً على "بإذن الله" إذ فيكون المعنى حينئذ أن الإصابة علّة للتمييز والحال أن إعلان الجهاد كان علّة ذلك، فقوله "ليعلم" جملة مستأنفة، أي إن حرب أُحُد كان لأجل التمييز بين المؤمن والنفاق، في جملة فوائده الأُخر.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 168 | ثم ذكر سبحانه صفة أخرى للذين نافقوا بأنهم ((الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ))، أي قالوا حول إخوانهم الذين ذهبوا الى ساحات الجهاد فقُتلوا ((وَقَعَدُواْ))، أي قعد هؤلاء المنافقون عن القتال ((لَوْ أَطَاعُونَا)) في تركهم الخروج ((مَا قُتِلُوا)) جملة "لو أطاعونا ما قُتلوا" مقول قولهم ((قُلْ)) لهم يارسول الله ((فَادْرَؤُوا))، أي ادفعوا ((عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في مقالكم أن البقاء في البيت موجب لعدم موت الإنسان، فمن أين لكم أنّ مَن يبقى في بيته لا يموت فكم بقوا في بيوتهم وماتوا وكم خرجوا في القتال ورجعوا سالمين.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 169 | ولو فرضنا أن الخارج الى الجهاد قُتل، فما يضلره ذلك، فإنّ من إستشهد في سبيل الله لا تنتهي حياته بل يبقى حياً يُرزق ((وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا)) فكما أن هذه الحياة المادية ذات مراتب فمرتبة منها كاملة فيمن كان سعيداً فرحاً مرتبة منها ناقصة فيمن كان شقياً حزيناً كذلك من مات يكون على قسمين -بعد بقاء كليهما في حياة من لون آخر- قسم يكون حياً هناك، أي سعيداً فرحاً، وقسم يكون ميتاً هناك، أي شقياً حزيناً، فليس للآية الكريمة مفهوم أن غير المقتول لا حياة له هناك ((بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)) حياة غير مادية بل حياة عند ربهم ولهم رزقهم فيها بُكرة وعشيّا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 170 | في حال كونهم ((فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ)) من الحياة الباقية والسعادة والخير ((وَيَسْتَبْشِرُونَ))، أي يسير هؤلاء المقتولون في سبيل الله ((بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم)) من المؤمنين الذين بقوا في الحياة وبقوا ((مِّنْ خَلْفِهِمْ)) واستبشارهم بهؤلاء من جهة ((أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)) إذ الله سبحانه يتولّى أمورهم ((وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) بالنسبة الى من خلفهم، فهؤلاء المقتولون جمعوا بين خيرين خير أنفسهم حيث تنعّموا بنعمة الله سبحانه وخير أخوانهم الذين من خلفهم حيث علموا بأنهم لا خوف عليهم وذلك بخلاف من بقي ولم يجاهد فإنهم جمعوا بين شرّين مشاكل حياة أنفسهم ومشاكل حياة أخوانهم حيث لا يعلمون ماذا تكون عاقبة أمر أنفسهم وأمر إخوانهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 171 | ((يَسْتَبْشِرُونَ))، أي هؤلاء المقتولون يُسرّون ويفرحون ((بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ)) ينعمها عليهم في الآخرة ((وَفَضْلٍ))، أي الزيادة على قدر إستحقاقهم أو على ما يترقّبون ((وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)) فإنّ مَن عَلِم أنّ حقه وأجره مضمون فرح واستبشر فهؤلاء يرون عياناً أنّ حقهم محفوظ بخلاف الإنسان في الدنيا فإنه يعلم ذلك دون أن يراه، وفي تكرار المطلب زيادة تمكين المعنى في النفس، ومثله كثير في التحذيرات والترغيبات المستقبلية وبالأخص إذا لم يشاهد الإنسان أمثاله بل كان غيباً محضاً فإنّ في التكرار تركيز المطلب في النفس حتى تعمل تلقائياً كالذي شاهد وحضر.
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 4:08 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 172
| لما انصرف أبو سفيان وأصحابه من أُحُد وبلغوا الروحاء ندموا على إنصرافهم عن المسلمين وتلاوموا فيما بينهم قائلين بعضهم لبعض : لا محمداً قتلتم ولا الكواعب أردفتم قتلتموهم حتى لم يبق منهم إلا الشريد تركتموهم فارجعوا فاستأصلوهم، فبلغ ذلك الخبر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأراد إرهابهم فخرج (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومعه مَن به جرح من الأُحُد حتى بلغ [حمراء الأُسد] وبلغ الخبر المشركين فخافوا خوفاً شديداً وولّوا منهزمين، ووجه إتصال الآية أنه سبحانه بعد ما بيّن أجر الشهداء وأنهم يستبشرون بالأحياء ذكر وصف الأحياء الذين يستبشر بهم المقتولون أنهم أولئك الذين لم تزلزلهم المحنة ولم تقعدهم الجراحات عن مواصلة الكفاح ولم يرهبهم تجمع الأعداء وإرجاف بهذا التجمع وهم مثخنون بهذه الجراحات ((الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ)) أطاعوهما في أمرهما، وقد ذكرنا سابقاً أن ذكر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للتشريف وأن بيان أمره أمر الله سبحانه وإلا فالأمر واحد ((مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ))، أي نالتهم الجراحات يوم أُحُد ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ)) بعد الإستجابة ((وَاتَّقَواْ)) معاصي الله سبحانه ((أَجْرٌ عَظِيمٌ)) لأنهم أطاعوا في ثلاث دفعات حضورهم واستجابتهم ثانياً وإحسانهم وتقواهم ثالثاً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 173 | ثم وصفهم سبحانه بوصف آخر وأنهم هم ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ)) فقد قال الناس لأصحاب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد رجوعهم من أُحُد أن الناس -وهم أبو سفيان والمشركون- قد جمعوا لكم، أي جمعوا المشركين لأجل محاربتكم ((فَاخْشَوْهُمْ))، أي خافوا منهم لأنهم إذا رجعوا إليكم وأنتم -أيها المسلمون- مُثخنون بالجراح من أُحُد لم يُبقوا منكم باقية ((فَزَادَهُمْ)) تجمع الناس عليهم ((إِيمَاناً)) فإنّ عند كل كارثة يتذكّر المؤمن الله سبحانه فتقوى نفسه بمعونته وتشتد عزيمته بنصره ((وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ))، أي كافينا الله يكفينا شر أعدائنا ((وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)) فإنه خير من جعله الإنسان وكيلاً لعلمه بمواقع النفع والضرر وقدرته على جلب النفع ودقع الضرر عن الموكّل.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 174 | ((فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ))، أي رجع هؤلاء المؤمنون الذين استجابوا لله والرسول، تصحبهم نعمة الله وفضله ((لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)) فهم بعدما خرجوا في طلب أبي سفيان هرب أبو سفيان فرجه المسلمون وهم مرهوبوا الجانب أشداء النفوس ((وَ)) قد ((اتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ)) باتباع أمره في تعقيب المشركين ((وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)) على من إتّبع أمره فهو يسعده في الدنيا وفي الآخرة، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال : (عجبتُ لمن خاف كيف لا يفزع الى قوله "حسبنا الله ونعم الوكيل" فإنّي سمعتُ الله يقول بعقبها "فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء").
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 175 | ((إِنَّمَا ذَلِكُمُ)) "كُم" خطاب، و"ذا" إشارة الى التخويف من الأعداء، أي أن التخويف الذي صدر عن بعض الناس بالنسبة الى المسلمين من عمل الشيطان فإنه ((الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ)) فإنّ المؤمنين لا يخافون وإنما أولياء الشيطان يخافون لأنهم بانقطاع صلتهم من الله سبحانه يخافون من كل شيء كما قال سبحانه في وصف المنافقين "يحسبون كلّ صيحةٍ عليهم" ((فَلاَ تَخَافُوهُمْ))، أي لا تخافوا الناس الذين جمعوا لكم، أو لا تخافوا الشيطان وأوليائه ((وَخَافُونِ)) والخوف من الله سبحانه بمعنى إطاعته وترك عصيانه فإنّ في ترك ذلك النار والعقاب ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) فإن الإيمان يوجب أن لا يخاف الإنسان إلا من الله سبحانه، وليس المراد عدم الخوف مطلقاً فإنه قهرّ للإنسان وإنما المراد ترتيب الأثر على الخوف.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 176 | ((وَلاَ يَحْزُنكَ)) يارسول الله ((الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ))، أي يتسابقون في أعمالهم الكافرة كأنهم في سباق من كثرة نشاطهم ((إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ)) فإن دعوتك التي هي مرتبطة بالله سبحانه لابد وأن تنجح وتتقدم وهذه المسارعات لا يضرّها، فقد نسب موقف الدعوة الى الله سبحانه إفادة لعلوّها وقوة المُدافِع والمتولّي لها ((شَيْئاً)) أصلاً لا صغيراً ولا كبيراً، بل إنهم يضرّون بذلك أنفسهم فإن إعطاء الله القدرة لهم في أن يفعلوا ما يشائون لأنه ((يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ)) وإنما أراد ذلك لأنهم أعرضوا عن الحق كما أنك إذا أدّيت الى عبدك مالاً ليتاجر ثم ذهب به يقامر وأمهلته فلم تضرب على يده تقول : أريد أن أُبدي سوأته وأعاقبه بعقاب كبير ((وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) بكفرهم ومسارعتهم ونشاطهم ضد الإسلام.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 177 | ((إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ))، أي بدّلوا ((الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ)) ((لَن يَضُرُّواْ اللّهَ)) بتبديلهم الكفر بالإيمان ((شَيْئًا)) أيّ شيء أبداً ((وَلهُمْ))، أي للذين بدّلوا الكفر بالإيمان ((عَذَابٌ أَلِيمٌ)) بما بدّلوا.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 178 | ((وَلاَ يَحْسَبَنَّ))، أي لا يظنّنّ ((الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ)) الإملاء الإمهال، أي إن إطالتنا لأعمارهم وإمهالنا إياهم وتوفير المال والجاه لهم ليس خيراً لهم فإن الخير هو الذي لا سيبب شراً وعقاباً ((إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ)) نطيل عمرهم ونعطيهم ما نعطيهم ((لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا)) ومعصية فإنهم بإعراضهم عن الحق وخبث بواطنهم استحقوا العقاب والعذاب لكن حيث لا عقاب على الخبث الباطني فقط كان الإمهال مظهراً لذلك الخبث فبقائهم موجب لزيادة عقوبتهم ((وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)) يُهينهم علاوة على ألَمِه وكربه, وربما يُقال أن اللام في قوله "ليزدادوا" لام العاقبة كقوله تعالى "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً".
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 179 | ثم يرتد السياق الى قصة أُحُد حيث إنكشف هناك المؤمن الذي إتّبع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الحرب من المنافق الذي تخلّف عن الجهاد كعبد الله بن أُبيّ بمن تخلّف معه ((مَّا كَانَ اللّهُ))، أي ليس من سُنّته سبحانه أن لا يمتحن ((لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ))، أي يدعهم ويتركهم ويتركهم ((عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ)) من ظاهر الإيمان الذي يتساوى فيه المؤمن والمنافق ((حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)) كي يُظهر ما يُضمره كل فريق، وفي بعض التفاسير أن المشركين قالوا لأبي طالب إن محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صادقاً فليخبرنا مَن يؤمن مِنّا ومن يكفر فإن وجدنا خبره صدقاً آمنّا به فنزلت الآية، وعلى هذا فمعنى "على ما أنتم عليه" أي حالكم قبل الإيمان، فليس يترك سبحانه المؤمن جوهره على كفره بين سائر الكفار ((وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ)) حتى تعلموا أن هذا مؤمن وهذا منافق، بدون الإختبار الخارجي المظهر للضمائر ((وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي))، أي يختار لإطّلاعه على الغيب ((مِن رُّسُلِهِ)) وأنبيائه ((مَن يَشَاء)) وهذا كقوله تعالى (لا يُظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول) ولا ينافي ذلك إطّلاع بعض الملائكة والأئمة وبعض المؤمنين بعض المغيّبات إذ الملائكة خارج عن المستثنى منه والباقون أما بتعليم النبي أو بإلهام منه سبحانه وعدم إستثنائه لندرته خارجاً، والقضايا الطبيعية -كما نحن فيه- لا تنافيها النوادر، وحيث عرفتم قيمة الإيمان ((فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ)) إيماناً حقيقياً لا يشوبه نفاق وخبث ضمير ((وَإِن تُؤْمِنُواْ)) إيماناً صادقاً ((وَتَتَّقُواْ)) المعاصي وتعملوا الصالحات ((فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)) يبقى الى الأبد في جنة عرضها السموات والأرض ورضوان من الله.
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 4:09 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 180
| وحيث تقدّم الكلام حول الجهاد والتضحية عقّبه سبحانه بذكر المال فهما يُذكران غالباً مقترنين إذ الجهاد يحتاج الى بذل المال، والدين إنما يُقام ببذل النفس وبذل المال معاً، فقال سبحانه ((وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ))، أي أعطاهم سبحانه فضلاً وإحساناً فإن المال وإن إجتهد الإنسان وكدّ في تعبه إنما هو فضل من الله سبحانه لأنه من خلقه وصنعه فالنقدان مثلاً معدنان مخلوقان له وسائر الأموال من نبات الأرض وما أشبه كله له هذا بالإضافة الى أن أجهزة الإنسان التي بها يتمكن من كسب المال كلها منه سبحانه، والمراد بالبخل هنا هو الحرام منه مما يجب إعطائه فيمتنع ((هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ)) حيث يزعمون أن البخل يوفّر عليهم المال فيبقى عندهم ولا يخرج من أيديهم و"خيراً" مفعول "يحسبنّ" ((بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ)) إن ذلك البخل شرّ لهم يعود إليهم في الدنيا بالشر حيث أن ذلك موجب لسوء السمعة الذي بدوره يوجب عدم التمكن من إكتساب المزيد من المال ويوجب ذهاب الكائن منه بمصاردات الحكّام وثروات الفقراء والأسوء من ذلك أنهم ((سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ))، أي يجعل المال الذي بخل به طوقاً في عنقه ((يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) وهذا كناية عن لزومه تبعة المال، كما يُقال المرأة في عنق الإنسان، والدَين طوق في عنق المدين، وهكذا، وفي الأحاديث الواردة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام) أنه ما من أحد يمنع من زكات ماله شيئاً إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوقاً في عنقه ينهش من لحمه حتى يفزع من الحساب، وفي بعضها تفسير الآية الكريمة بذلك،..، ثم ما بال هؤلاء يبخلون؟ فإنه لا يبقى المال عندهم الى الأبد، بل يذهبون ويذرون المال ((وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)) فكل من يموت فيهما ويخلف شيئاً فلابد وأن يرثه الله سبحانه حيث تبقى الأموال له وحده بعد فناء الجميع فما بخله عنه سبحانه ولم يصرفه في سبيله لابد وأن يرجع إليه، وليس احتقب إلا الإثم ((وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) فما أنفقتم من نفقة يعلمها الله سبحانه فيجازيكم عليه جزاءً حسناً.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 181 | وقد كان من بخلاء اليهود من لا ينفق مما آتاه الله، ثم يزيد على ذلك فيقول أن الله فقير لأنه يستقرض كما قال سبحانه "من ذا الذي يقرض الله" وأنا غني لما لديّ من الأموال ((لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء)) ويكفيه تهديداً أن الله سمع قوله فلينتظر الجزاء العادل والعقاب الأليم ((سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ)) حتى يكون كتاباً مسجلاً عليهم لا مجال لإنكاره يوم يُعطى كل إمرء كتابه، وقد كان منطق اليهود منحرفاً الى أبعد الحدود وكيف يكون الله سبحانه فقيراً وهو الذي يملك كل شيء حتى روح هذا القائل، وإنما إستقراضه إمتحان وطلبه المال إبتلائ وإختبار، وكيف يكون هو غنياً والحال أنه لا يملك روحه فكيف بماله ((وَ)) سنكتب ((قَتْلَهُمُ))، أي قتل هؤلاء اليهود ((الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ)) وإنما عيّرهم الله سبحانه مع أن آبائهم هم الذين فعلوا لرضاهم بذلك أولاً ولبيان أن هؤلاء خلفاً عن سلف مجرمون فلا عجب أن يقول الخلف كفراً بعدما عمل السلف أفظع من ذلك ثانياً، ودخول السين في "سنكتب" لعله لبيان أن الكتابة لا تثبت إلا بعد أن يموتوا غير مؤمنين بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإلا فالكتابة لا تضر إذا مُحيت بالإيمان، وهذا يصح بالنسبة الى قولهم، أما بالنسبة الى قتل أسلافهم، وقد كتب قتلهم، فلأن كتابه عاد ذلك على الأخلاف إنما تكون إذا بقوا على الكفر، ولعل العطف على المعنى، أي "وكتبنا قتلهم الأنبياء" من قبيل "نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ" وقوله "علفته تبناً وماءاً بارداً" ((وَنَقُولُ)) حين عقابهم في الآخرة ((ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ)) الذي يحرق أجسادكم بفعلكم وقولكم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 182 | ((ذَلِكَ)) العذاب إنما يكون ((بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ)) من الكفر والعصيان، وإنما عبّر بتقديم الأيدي لأن الإنسان غالباً يقدّم الأشياء بيده، فيكون ذلك من باب التشبيه للمعقول بالمحسوس ((وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ)) فأنتم عبيده خالفتم أوامره فاستحققتم هذا العقاب، و"ظلاّم" ليس لفظ المبالغة على غرار "علاّم" وإنما للنسبة نحو "تمّار" بمعنى ذي تمر، كما قال إبن مالك : ومَعَ فاعل وفعّال في نَسب أغنى عن اليا فقُبِل
ولعل إختيار هذه الكلمة لردّ التوهّم وهو أن الإحراق بالنار إنما يصدر من إنسان كثير الظلم، فيكون الإتيان به للمجانسة اللفظية كقوله : قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخة قُلت اطبخوا لي جُبّة وقميصاً
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 183 | إن الذين قالوا أن الله فقير ونحن أغنياء، والذين قتلوا أنبيائهم، هم الذين لم يؤمنوا بالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحجّة مكذوبة، فقد قالوا : يامحمد أن عَهِدَ الله إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار، فإن زعمت أن الله بعثك إلينا فجِئنا بالقربان حتى نصدّقك فنزلت الآية ((الَّذِينَ قَالُواْ)) للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والذين في موضع الجر عطفاً على الذين قالوا أن الله فقير ((إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا)) أمَرَنا ووصّانا في الكتب المُنزَلة ((أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ)) بأن لا نصدّق بنبوّته ((حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ))، أي ما يُتقرّب به الى الله سبحانه ((تَأْكُلُهُ النَّارُ)) تأتي نار من الغيب فتحرقه، وقد كان ذلك علامة لصدق نبوّة أنبياء بني إسرائيل ((قُلْ)) يارسول الله في جوابهم ((قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ)) الأدلة الواضحة ((وَبِالَّذِي قُلْتُمْ)) من القربان الذي أكلته النار ((فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ)) فإنهم قتلوا زكريا ويحيى وغيرهما ((إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في دعواكم أنكم تؤمنون بالرسول إذا جائكم بقربان تأكله النار، وإنما يُنسب فعل الأسلاف الى الأخلاف لأن الطبيعة فيهم واحدة والإتجاه واحد فلا يمكن أن يُقال أن معاصر الرسول لم يكونوا يظهرون الرضا بفعل أسلافهم في قتل الأنبياء. |
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 4:09 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 184
| ((فَإِن كَذَّبُوكَ)) يارسول الله ولم يؤمنوا برسالتك ((فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ)) فلستَ بِدعاً في ذلك ولا يضيق صدرك بتكذيبهم، فإن الناس قد كذّبوا رُسُلاً قبلك والحال أنهم ((جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ)) الأدلة الواضحة ((وَالزُّبُرِ))، أي الصحف التي فيها الأحكام والشرائع ((وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ)) وهو الكتاب الجامع للأحكام والفرق بينهما أن الزُبر صحائف متفرقة فيها أحكام متشتّتة بخلاف الكتاب الذي هو الجامع المتسلسل، كما أنه نزل على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأحاديث القدسية والقرآن الحكيم.. وهنا سؤال هو أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لِمَ لَم يأتِ لهم بقربان تأكله النار، والجواب أنهم سألوا ذلك تعنّتاً لا إسترشاداً، وإلا فلقد كان يكفيهم سائر الأدلة، وليس شأن الأنبياء أن يفعلوا فوق اللازم من المعجزة لكل متعنّت ومجادل، وهذا هو السر في ردّ كثير ممن سأل المعجزة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 185 | إن عدم الجهاد لخوف الموت، وعدم الإيمان لخوف ذهاب الرئاسة، وعدم الإنفاق لخوف الفقر، مما له عاقبة سيئة هي النار، فكل إنسان يموت وتذهب حياته ورئاسته وماله، فما أجدر أن يفعل ما يسبّب له حُسن العاقبة ((كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ)) تذوقه وتلاقيه ((وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ)) أيها الناس ((أُجُورَكُمْ)) الحسنة أو السيئة ((يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) فهنا عمل ولا حساب وغداً حساب وجزاء ((فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ))، أي بوعِدَ عنها ((وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)) لأنه سرور وراحة لا إنقطاع لهما ولا تكدّر فيها ((وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)) بلذاتها وشهواتها ((إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)) تسبّب غرور الإنسان وغفلته عن الخير الدائم الباقي فمن الجدير بالإنسان أن يحصّل بحياته ورئاسته وماله تلك الدار الباقية لا أن يغترّ بالدنيا ويعصي الله سبحانه حتى يدخل النار.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 186 | إن الدنيا دار محنة وابتلاء لا دار راحة وسعادة فاعلموا أيها المسلمون ((لَتُبْلَوُنَّ))، أي تقع عليكم المحن والبلايا بكل تأكيد ((فِي أَمْوَالِكُمْ)) بذهابها ونقصانها ووجوب الإنفاق منها ((وَ)) في ((أَنفُسِكُمْ)) بالأمراض والشدائد والقتل في الجهاد ونحوه ((وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ)) اليهود والنصارى والمجوس ((وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ)) من سائر أقسام الكفار ((أَذًى كَثِيرًا)) سباً وشتماً وتهمة ووقيعة واستهزاء ((وَإِن تَصْبِرُواْ)) في البلايا والأذى ((وَتَتَّقُواْ)) فلا تحملنّكم البليّة والأذيّة على الإبطال عن الدين وعمل المحرّم ((فَإِنَّ ذَلِكَ)) الصبر والتقوى ((مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ))، أي الأمور التي يجب العزم عليها والمضي فيها، وفي الكلام مجاز إذ نسب العزم الذي هو للإنسان الى الأمر، مثل الإصرار الى الأمر في قولك "أصرّت الأمور عليّ" لبيان أن الأمر قد صار عزماً، من شدة لزومه، وفرض وجوبه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 187 | ثم يأتي السياق الى ذكر صفة أخرى من أهل الكتاب مناسبة للمقام حيث أنهم يعلمون رسالة الرسول وفي كتبهم موجودة لكنهم بدل أن يؤمنوا ويظهروا ذلك للناس يصرّون على الجدال والعناد ويخفون الكتاب على الناس ((وَ)) اذكر يارسول الله ((إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ)) أخذ عهدهم الأكيد بواسطة الأنبياء ((لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ))، أي تبيّنون الكتاب الذي فيه الأحكام والبشارة برسالة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَلاَ تَكْتُمُونَهُ))، أي لا تخفونه ((فَنَبَذُوهُ))، أي طرحوا الميثاق ((وَرَاء ظُهُورِهِمْ)) كناية عن إهمالهم له وعدم إعتنائهم به كما أن الذي يريد إهمال متاع يلقيه وراء ظهره ((وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً))، أي بدّلوا بأحكام الكتاب رئاسة قليلة في الدنيا وأموالاً قليلة كانوا يتقاضونها من سائر اليهود ((فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)) من الثمن حيث يستحقون بذلك العذاب الدائم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 188 | ومن الناس من لا يدخل في عمل الخير مع العاملين، فإذا خسر العاملون ما أرادوا وصفوا أنفسهم بالحصافة والعقل، وإذا ربحوا جعلوا أنفسهم من المؤيِّدين لهم، وتوقّعوا أن يُثنوا ثناء العاملين، إنّ أمثال هؤلاء الذين لا يشتركون فيما يجب الإشتراك فيه، لابد وأن ينالهم العذاب لتركهم الواجب، وغالباً يكونون من المنافقين ومن الذين يقعدون عن الجهاد وعن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهؤلاء ميزة أخرى وهي أنهم يفرحون بما يأتون من الأعمال حقاً كان أو باطلاً، بخلاف المؤمنين الذين إذا عصوا استغفروا وإذا أحسنوا خافوا كما قال سبحانه "والذين يُؤتون ما آتوا وقلوبهم وَجِلة" ((لاَ تَحْسَبَنَّ)) يارسول الله ((الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ)) من الأعمال صالحة كانت أو طالحة ((وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ))، أي يحمدهم الناس ((بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ)) من الأعمال الخيرية ((فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ)) يارسول الله ((بِمَفَازَةٍ)) من الفوز، أي النجاة ((مِّنَ الْعَذَابِ)) فإنهم يُعذَّبون بكل تأكيد لهذه الأفعال والصفات ((وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) مؤلم، وهذه الآية كما تراها عامة، فتفسيرها بالمنافق أو نحوه من باب ذِكر المصداق.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 189 | أين المفر لهؤلاء من عذاب الله ((وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)) فلا يمكن لأحد الفرار من حكومته ((وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) فلا يفوته ما يريد ويفعل ما يشاء.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 190 | وهنا ينتهي السياق بأدلة الإيمان وأحوال المؤمنين وأن أعمال الكافرين في إنهيار، مناسبة للجو العام من السورة الذي كان في الإيمان والعقيدة وأحوال المؤمنين والكافرين، ومرتبطة بالآية السابقة "ولله مُلك السماوات" ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ))، أي في إيجادها بما تشتملان عليه من العجائب ومختلف صنوف الخلق والإبداع ((وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)) تعاقبهما ومجيء أحدهما خلف الآخر بكل إتقان وإنتظام ((لآيَاتٍ)) دلالات وبراهين على وجود الله سبحانه بقوله سبحانه ((لِّأُوْلِي الألْبَابِ))، أي أصحاب العقول، فإن كلّ من نظر الى الأثر لابد أن يعقل وجود المؤثِّر، وكلما كان الأثر أتقن وأجمل دلّ على كمال علم المؤثِّر وقدرته وإرادته وغيرها من الصفات الجمالية.
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 4:09 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 191
| ثم بيّن صفات أولي الألباب بقوله سبحانه ((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ)) ذِكراً بالقلب، أي تذكّراً له سبحانه ((قِيَامًا)) جمع قائم ((وَقُعُودًا)) جمع قاعد ((وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ))، أي في حال الإضطجاع، يعني أنهم دائماً في فكر الله سبحانه وذكره سواء كانوا قائمين أو قاعدين أو مضطجعين ((وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)) كيف خُلِقَتا بهذا النحو المتقن المدهش، وكيف جَرَيَتا، وكيف كانتا، وكيف ستكونان، وفي حال التفكّر والدهشة لسان حال هؤلاء يقول ((رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا)) الكون والخلق ((بَاطِلاً)) عبثاً ولغواً، بلا غاية ومقصود ((سُبْحَانَكَ))، أي أنت منزّه عن الباطل واللغو، وهو مفعول لفعل مقدّر، أي نسبّحك سبحانك ((فَقِنَا))، أي احفظنا ((عَذَابَ النَّارِ)) ولعل دخول الفاء في "فقِنا" لبيان أنهم يطلبون ذلك جزاء تصديقهم وإيمانهم وتفكّرهم.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 192 | ويقولون أيضاً ((رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ)) فضحته وأهلكته ((وَمَا لِلظَّالِمِينَ)) الذين ظلموا أنفسهم في دار الدنيا بالكفر والعصيان ((مِنْ أَنصَارٍ)) ينصرهم من عذاب الله سبحانه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 193 | ((رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ)) هو الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكل من نادى الناس للإيمان بالله سبحانه، فإنّ أولي الألباب يعترفون لله سبحانه بأنهم استجابوا منادي الإيمان ولم يلووا عن نداء الحق فقد سمعوا المنادي ينادي ((أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ)) ولا تكفروا ولا تُشركوا ((فَآمَنَّا)) بك ياسيدنا ((رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا)) التي صدرت منّا ((وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا)) وربما يُقال بأن الفرق أن الذنوب هي الكبائر لأنها ذات أذناب وتبعات والسيئات هي الصغائر لأنها تُسيء الى الإنسان وإن لم تكن ذات تبعة لأنها مُكفَّرة لمن اجتنب عن الكبائر، وهناك في الفَرق أقوال أُخر، ولعل التكرار للتأكيد إظهاراً لكمال الخوف من الذنوب ((وَتَوَفَّنَا))، أي اقبضنا إليك عند موتنا ((مَعَ الأبْرَارِ)) في جملتهم، والأبرار جمع بِر وهو الذي برّ الله بطاعته إياه.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 194 | ((رَبَّنَا وَآتِنَا))، أي اعطنا ((مَا وَعَدتَّنَا)) من الخير والسعادة في الدنيا ((عَلَى)) لسان ((رُسُلِكَ)) وأنبيائك ((وَلاَ تُخْزِنَا))ن أي لا تفضحنا ((يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) على رؤوس الأشهاد ((إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)) الذي وعته للمؤمنين بسعادة الدنيا وخير الآخرة.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 195 | ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ))، أي لهؤلاء المؤمنين الذين دعوا بالأدعية السابقة ((رَبُّهُمْ))، أي لبّى دعوتهم وقَبِلَ كلامهم، قائلاً ((أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم)) أيها المؤمنون ((مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى)) فكل المؤمنين محفوظة عمله ليُعطى جزائه ((بَعْضُكُم)) أيها المؤمنون ((مِّن بَعْضٍ)) فكلكم من جنس واحد في نصرة بعضكم لبعض ولستم كالكافرين الذين ليس بعضهم من بعض بل بعضهم يباين بعضاً فلكل فئة منهم لون وصبغة ((فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ)) الى المدينة ((وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ)) أخرجهم المشركون من مكة، والآية عامة لكل مهاجر عن دياره ومُخرَج من بلاده ((وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي)) لأنهم آمنوا وأطاعوا ((وَقَاتَلُواْ)) لأجل الله سبحانه ((وَقُتِلُواْ)) قتلهم الكفار ((لأُكَفِّرَنَّ))، أي أمحونّ ((عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ)) فلا آخذهم بها ((وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ))، أي تحت نخيلها وقصورها -كما تقدّم- ((ثَوَابًا))، أي جزاءاً لهم ((مِّن عِندِ اللّهِ)) على أعمالهم ومشاقّهم في سبيله ((وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ))، أي الجزاء الحسن، وليس كغيره ممن لا يقدر ولا يملك الثواب الحسن.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 196 | وهنا يتأمل الإنسان كيف يكون الكفار في هذه النعمة والراحة والسياحة والأسفار والثمار، والمسلمون مضطهدين يُخرجون من ديارهم ويُؤذَون، مع أن الله سبحانه ناصرهم وظهيرهم؟، ويأتي الجواب ((لاَ يَغُرَّنَّكَ)) وأصل الغرور إيهام حال السرور فيما الأمر بخلافه، فالمعنى : لا يهومنّك يارسول الله أن الكفار في سرور ((تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ)) فإنّ تقلّبهم لا يعود إليهم بالنفع.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 197 | فإن ذلك ((مَتَاعٌ قَلِيلٌ))، أي يتمتعون بذلك في زمان قليل ((ثُمَّ مَأْوَاهُمْ)) مصيرهم ((جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ))، أي ساء المستقر لهم تلك.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 198 | ((لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ)) بأن آمنوا وأطاعوا فإنهم وإن كانوا في أذيّة وضغط فعلاً ((لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)) الجارية ((خَالِدِينَ فِيهَا)) أبداً إلا متاع قليل كمتاع الكفار في الدنيا ((نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ)) النُزُل ما يُعدّ للضيف من الكرامة والبر والطعام والشراب ((وَمَا عِندَ اللّهِ)) من الثواب والكرامة ((خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ)) من تقلّب الكفار.
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 199 | ثم يرجع السياق الى أهل الكتاب الذين تقدّم أنهم يكفرون ويمكرون ((وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ)) يصدّق بوحدانيته ويعترف بما يعترف به المؤمنون ((وَ)) بـ ((مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ)) من القرآن الحكيم ((وَ)) بـ ((مَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ)) بخلاف سائر أهل الكتاب الذين لا يؤمنون بما أُنزل إليهم إذ أنهم يحلّون ويحرّمون ويخالفون كتابهم في أحكامه، في حال كونهم ((خَاشِعِينَ)) خاضعين ((لِلّهِ)) سبحانه فيما أمر ونهى ((لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ))، أي بمقابل آيات الله ودلائله وبراهينه ((ثَمَنًا قَلِيلاً)) كما كان يفعل ذلك رؤساهم الذين كانوا يرتشون ويخفون الكتاب لئلا تزول رئاستهم ((أُوْلَئِكَ)) الذين لهم هذه الصفات الخيّرة من أهل الكتاب ((لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ)) يجازيهم بما فعلوا من الخيرات وآمنوا وصدّقوا ((إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) فليس أجرهم بعيداً عنهم فإن أمد الدنيا ولو طال قليل كما قال الشاعر: ألا إنما الدنيا كمنزل راكبٍ أناخ عشيّاً وهو في الصبح يرحل |
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) الأحد مايو 01, 2011 4:22 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة آل عمران | 200
| وأخيراً يتوجه الخطاب للمؤمنين وتنتهي السورة بهذه العِظة البليغة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ)) على الإيمان والمكاره ((وَصَابِرُواْ))، أي غالبوا في الصبر، ولعل المراد مصابرة الأعداء فكلما صبر الكفار زاد المؤمنون صبراً على صبر أولئك حتى يغلبوا ويأخذوا المعركة ((وَرَابِطُواْ)) وهو المرابطة في ثغور المسلمين للتطلّع على أحوال الكفار ((وَاتَّقُواْ اللّهَ)) في أعمالكم فلا تأتوا بالمعاصي ((لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))، أي كي تفوزوا وتنجحوا في الدنيا والآخرة. |
| |
|
| |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(آل عمران ) | |
|