تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الإنسان | 16
|
((قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ))، فهي من زجاجة بلون الفضة لتجمع بين اللذتين في المشاهدة، قال الصادق (عليه السلام): "ينفذ الزجاج"، أقول: فهي جامعة بين صفاء الزجاجة وشفيفها وبياض الفضة ولينها، ((قَدَّرُوهَا))، أي قدروا تلك الأكواب ((تَقْدِيرًا))، كأنها صنعت بـ"الماكينة" في توحيد أشكالها ومزاياها، لا كالأواني المصنوعة باليد التي يراها الإنسان مختلفة ينبو عنها العين لاختلافها.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الإنسان | 17 |
((وَيُسْقَوْنَ فِيهَا))، أي في الجنة، والفاعل هم الأبرار المقدم ذكرهم ((كَأْسًا))، أي شراباً في الكأس - بعلاقة الحال والمحل، ((كَانَ مِزَاجُهَا))، أي مزج بشرابها ((زَنجَبِيلًا))، أي ما يشبه الزنجبيل في الطعم، وهو عقار معروف كانوا يخلطونه بالشراب - كما تقدم.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الإنسان | 18 |
((عَيْنًا)) بدل من زنجبيل، أو منصوب على تقدير الفعل كما ذكر سابقاً، ((فِيهَا)) في الجنة، ((تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا))، فالشراب الممزوج بالزنجبيل يؤخذ من تلك العين، وسميت "سلسبيلا" لسيلانه في الأنهار عذابً صافياً رقرقاً، أو لأنه سائغ في الخلق لصفائه وخفته، فلا يتوهم أن الزنجبيل يوجب لذعاً وحرقة.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الإنسان | 19 |
((وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ)) معنى الطواف هو الذهاب من عند هذا إلى ذاك، وهكذا حتى يرجع إلى الأول، و"الولدان" جمع ولد، ومعنى مخلدون باقون في الجنة إلى الأبد، وهو قسيم للحور، فهم الأولاد وتلكم بنات، ((إِذَا رَأَيْتَهُمْ)) أيها الإنسان ((حَسِبْتَهُمْ))، أي ظننتهم ((لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا)) لصفاء ألوانهم وبريقها، وتفرقهم هنا وهناك، يشبههم باللؤلؤ غير المنظوم، لانتشارهم في الخدمة.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الإنسان | 20 |
((وَإِذَا رَأَيْتَ)) يا رسول الله، أو أيها الرائي ((ثَمَّ))، أي الجنة، فإن "ثم" بمعنى هنالك، ((رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا))، أي وسيعاً، فإنه يعطي لأقل أهل الجنة منزلة من القصور والجنان ما يكفي، لأن يضيف الثقلين في ضيافة واحدة.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الإنسان | 21 |
((عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ))، أي يعلوهم، والمراد يلبسون ثياباً سندساً، وهو الحرير الأخضر الرقيق، ((وَإِسْتَبْرَقٌ)) هو الحرير الخشن والرقيق، أنعم للبدن، والخشن أجمل في المنظر، ((وَحُلُّوا))، أي يحلون بالزينة ((أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ)) جمع سوار، وهو ما يلبس في اليد من الحلي، والفضة هنا أثمن من الذهب - كما قالوا - وقد كانت العادة في الملوك والكبراء لبس السوار، ((وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا))، فليس كشراب الدنيا نجساً أو موجباً للرذيلة من السكر ونحوه.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الإنسان | 22 |
ويقال لهم: ((إِنَّ هَذَا)) النعيم الذي أنتم فيه ((كَانَ لَكُمْ جَزَاء)) على إيمانكم وأعمالكم الصالحة، و"كان" لمجرد الربط، ((وَكَانَ سَعْيُكُم)) وتعبكم في الدنيا ((مَّشْكُورًا))، شكره الله سبحانه وقدره، ولذا جزاكم بهذا الثواب.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الإنسان | 23 |
ثم يأتي السياق ليسلي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عما يلاقيه من الأذى في سبيل الدعوة إلى مثل هذه الجنات بعدما بين جزاء العاملين ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ)) يا رسول الله ((الْقُرْآنَ تَنزِيلًا))، والتأكيد بـ"نحن" لدفع كلمات الكفار حول القرآن، بأنه كهانة أو شعر أو يعلمه بشر أو ما أشبه ذلك.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الإنسان | 24 |
((فَاصْبِرْ)) يا رسول الله في تبليغ القرآن ((لِحُكْمِ رَبِّكَ)) بأن تبلغ رسالاته في وسط هذا الموج العاتي من الإنكار والإيذاء والاستهزاء ((وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ))، أي من هؤلاء ((آثِمًا))، أي عاصياً ((أَوْ كَفُورًا))، أي كافراً، يعني لا تطع الآثم في إثمه ولا الكفور في كفره، بأن لا تبلغ الأصول أو الفروع إطاعة لها، وجلباً لرضائها، فقد ورد أن أبا جهل نهى الرسول عن الصلاة، كما أن عتبة والوليد قالا له (صلى الله عليه وآله وسلم): "ارجع عن هذا الأمر ونحن نرضيك بالمال والتزويج،" والآية عامة تشمل كل كافر يأمر بالكفر وآثم يأمر بالإثم.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الإنسان | 25 |
((وَاذْكُرِ)) يا رسول الله ((اسْمَ رَبِّكَ)) بالذكر والدعاء والصلاة ((بُكْرَةً))، أي صباحاً ((وَأَصِيلًا))، أي عصراً، يعني استمر على شأنك والدعاء إليه في طرفي النهار.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الإنسان | 26 |
((وَمِنَ اللَّيْلِ))، أي بعض الليل، ((فَاسْجُدْ لَهُ))، أي لله سبحانه، والمراد بالسجود الصلاة والعبادة، أي اخضع لله سبحانه، ((وَسَبِّحْهُ))، أي سبح الله ونزهه عما لا يليق به ((لَيْلًا طَوِيلًا))، فإن الليل ربيع العباد يتخذون طوله وسيلة للضراعة والاستكانة، فإن الخواطر الكامنة لا تجيش إلا بطول الضراعة والابتهال، وقد ورد أن "بكرة" لصلاة الصبح، و"أصيل" للظهرين، و"اسجد له" للعشائين، و"سبحه" لصلاة الليل.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الإنسان | 27 |
((إِنَّ هَؤُلَاء)) الكفار الذين تراهم معرضين عن الله مقبلين على شهواتهم ((يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ))، أي الدنيا والشهوات العاجلة، ((وَيَذَرُونَ))، أي يتركون ((وَرَاءهُمْ)) في مستقبلهم ((يَوْمًا ثَقِيلًا)) هو يوم القيامة الذي يثقل على الإنسان لما فيه من الأهوال والشدائد، فلا يعملون لذلك اليوم.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الإنسان | 28 |
إنهم يكفرون بالله الذي خلقهم، وأعناقهم بيد <؟؟>((نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ)) من العدم، ((وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ))، أي أحكمنا خلقهم، بتنظيم الأجهزة، فإن "الأسر" أصله الشد، ومنه سمي الأسير أسيرا، لأنه يشد بالحبال، فالمعنى أحكمنا شدهم في الخلقة بحيث لا ينفصم جزء من جزء، بل كلها متماسكة مترابطة ((وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ)) مكانهم ((تَبْدِيلًا))، بأن أهلكنا هؤلاء وجئنا بدلهم مكانهم.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الإنسان | 29 |
((إِنَّ هَذِهِ)) السورة أو هذه العظات والعبر المذكورة في القرآن ((تَذْكِرَةٌ)) تذكر الناس بما أودع في فطرتهم، وإلفات لهم نحو الكون وآياته، ((فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا))، أي مضى في طريق مرضاته سبحانه بعدما رأى الحق وميز الصدق والكذب.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة الإنسان | 30 |
((وَمَا تَشَاؤُونَ)) أنتم أيها البشر الإيمان والهداية ((إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ)) بأن يرسل الرسول ويوضح الطريق، إذ الهداية لها طرفان: طرف من جانبه بنصب الأدلة، وطرف من جانبكم بالاتباع والاهتداء، ((إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا)) بمصالحكم، ((حَكِيمًا)) فيما يفعل، فإن الحكمة وضع الأشياء موضعها، والله لا يفعل شيئا إلا بالحكمة والمصلحة. |