| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 4:55 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 5
| ((الْيَوْمَ )) الذي تمّ فيه بيان كل الأحكام نوجز المحلّلات فإنه ((أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )) وهذا عام يشمل الطيّب من المآكل والمناكح والمساكن والملابس وغيرها بقرينة (والمحصنات) بخلاف الآية السابقة التي كانت خاصة بالمأكل بحُكم السياق وهذه الآية تدلّ على كون الأصل في كل الأشياء الحلّ إلا ما خَبُثَ، ومن المعلوم أنّ الخُبُث لا يُميّز إلا بالشع أو بالعقل نادراً ((وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ))، أي الذين أُرسل إليهم الكتاب السماوي كاليهود والنصارى والمجوس ((حِلٌّ لَّكُمْ )) والطعام أما المراد به الحبوب كما هو المروي وهذا المتعارف إلى اليوم، فإنّ كلمة (باعة الأطعمة) أو ما أشبهها تنصرف إلى باعة الحبوب، أو المراد به العام لكل طعام وقد إستثنى من ذلك الذبائح لقوله سبحانه (وما أُهِلّ به لغير الله) والحق به غيره إجماعاً كما إسثنى ما لامَسَه الكتابي برطوبة لأنهم مُشركون لقوله سبحانه (تعالى الله عمّا يُشركون) وفي آية أخرى حُكُم بنجاسة المشرك بقوله سبحانه (إنما المشركون نَجَس) وتفصيل البحث في الفقه، وهنا سؤال يفرض نفسه وهو أنه : ما الفائدة من هذا التنصيص والحال أنّ طعام غير أهل الكتاب حِلّ أيضاً ؟ والجواب أنه من باب المورد والقيد غالبي لابتلاء المسلمين بهم غالباً كما يدلّ على ذلك ((وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ )) ومن المعلوم أنّ طعام المسلم حِلٌّ حتى للمشرِك الوثني، ثم لو قلنا أنّ الجملة عامة لكل طعام فهل معنى حلّيّة طعامنا لهم الحلّي' بالنسبة إلينا ؟، أي إنّ طعامهم حِلٌّ لنا أو الحلّيّة بالنسبة إليهم ؟، أي يجوز لهم أن يطعموه ؟، الظاهر الثاني وإن كان لا يبعد الأول أنّ قاعدة (إلزموهم بما التزموا به) تقتضي كون الحرام عندهم من أطعمتنا كذبائحنا بالنسبة إلى اليهود -مثلاً- لا يجوز لهم أن يُطعموه -وفي الكلام مناقشة- ((وَ)) حَلّت لكم ((الْمُحْصَنَاتُ ))، أي العفائف اللاتي أَحصنّ أنفسهنّ عن الحرام ((مِنَ )) النساء ((الْمُؤْمِنَاتِ)) بأن تنكحوهنّ، أما الزُنات غير العفائف فالمشهور بين العلماء جواز نكاحهنّ بالسنّة ولا مفهوم للآية حتى يمنع عن ذلك لما ثَبَتَ في الأصول من عدم حجّيّة مفهوم اللقب وإنما خُصّصن لأنهنّ الطيّبات ((وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ))، أي أُعطوا الكتاب ((مِن قَبْلِكُمْ )) وهم اليهود والنصارى والمجوس -فإنّ للفرقة الثالثة كتاباً على الصح- وقد إختلف العلماء في جواز نكاحهنّ نكاحاً دائماً بعد كون المشهور جواز نكاحهنّ منقطعاً، ولو قلنا بعد الجواز الدائم فهو تخصيص بالنسبة وقد ثَبَتَ جواز تخصيص الكتاب بالسنّة الواردة ((إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ))، أي أعطيتموهنّ مهورهنّ وليس معنى الإعطاء الفعلي بل ذلك وإن كان في المستقبل، ولا مفهوم للآية بالنسبة إلى الحكم الوضعي حتى يكون مَن لا يريد الإعطاء إطلاقاً ولم يُعطَ تُحرم عليه المرأة المزوجة بل المراد الحكم التكليفي، أي إنّ ذلك حرام لا يجوز وهذا تحريض للإعطاء، في حال كونهم ((مُحْصِنِينَ )) بالمسلمة أو الكتابية بأن كان إقترابكم منهنّ بالإحصان والنكاح ((غَيْرَ مُسَافِحِينَ )) تأكيد لقوله (مُحصِنين) والسِفاح هو الزنا ((وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ )) الخدن هو الصديق وهو أن ينفرد الرجل بالمرأة يزني بها دائماً فهي وهو خدنان، أي أنه لا يجوز للرجل بالنسبة إلى المسلمة والكتابية ذلك كما لا يجوز العكس، وقد تقدّم شبه هذا في سورة النساء، ومعنى الآية جملة أنّ إقتراب المرأة المسلمة العفيفة والكتابية العفيفة يجوز لكم ويطيب واعطوا مهورهنّ لكن اللازم أن يكون الإقتراب بالنكاح لا بالسفاح أو باتخاذهنّ أخداناً كما يكثر الأمران عند غير المسلمين، ثم إنّ ما ذكرناه من المحرّمات والمحلّلات كلها من مقتضيات الإيمان الواجب التمسّك به ((وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ )) إنه تعبير آخر عن المعصية والخروج عن الطاعة، ولعلّ الإتيان بهذه اللفظة هنا لإفادة أنّ الكفر -في باب المحلّلات والمحرّمات- ليس بالأصول وإنما هو بالفروع، وقد تقدّم في بعض الآيات أنّ الكفر قسمان كفر بالأصول وهو الموجب لخروج الإنسان عن كونه مسلماً، وكفر بالفروع -كما قال في سورة الحج (ومَن كَفَر) وقال (ولئن كفرتم) وهو الموجب لكون الإنسان فاسقاً ((فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ )) معنى الحبط عدم إستحقاق الثواب على العمل كما قال سبحانه (إنما يتقبّل الله من المتّقين) ((وَهُوَ )) الكافر بالإيمان ((فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) الذين خسروا أنفسهم حيث استحقّوا العقاب حين إستحقّ سائر المطيعين الثواب .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 6 | وفي سياق ذِكر الطيّبات والملاذ الجسدية يأتي دور الطيّبات والملاذ الروحية التي من أكثرها طيباً ولذة الصلاة بما لها من طهارة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ))،أي أردتم إياها فإنّ المريد لشيء يقوم إليه ليأتي به ألا ترى إنّ الناس يقعدون على أشغالهم فإذا أذّنَ المؤذّن يقومون إلى الصلاة ليأتوا بها ((فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ )) من قصاص الشعر إلى الذقن طولاً وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضاً بالماء الطاهر المباح غسلاً طبيعياً من الأعلى إلى الأسفل ((وَ)) اغسلوا ((أَيْدِيَكُمْ )) ولما كان المنصرف من اليد تمام اليد إلى الكف أخرجه بقوله ((إِلَى الْمَرَافِقِ )) فإنّ الغسل يستثنى منه غسل العضد ولذا لا يُستفاد من (إلى) هذه كونها للغسل بل المستفاد كونها غاية للمغسول فإنك لو قُلت لمصاب بالمرض : دهّن رجلك إلى الركبة، لم يُستفد عُرفاً منه لزوم كون التدهين من الأصبع إلى الركبة بل استُفيد كون الفخذ خارجاً عن التدهين، وعلى هذا فاللازم الإبتداء من الأعلى لأنه الغسل الطبيعي الذي وردت به السنّة ((وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ )) الباء للتبعيض، أي بعض رؤوسكم وهو الربع المقدّم من الرأس من المفرق إلى قصاص الشعر ((وَ)) امسحوا ((أَرْجُلَكُمْ )) والمراد بهما ظهرهما ((إِلَى الْكَعْبَينِ )) وهما قبّتا القدمين وإنما قُرء بالنصب مع أنه معطوف على المجرور باعتبار المحل وقد كان الترتيب المُجزي قطعاً في باب الوضوء غسل الوجه ثم اليد اليمنى ثم اليسرى ثم مسح الرأس ثم الرجل اليمنى ثم الرجل اليسرى والمسح ببقية بلل الوضوء ((وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا )) الجُنُب لفظ يقع على المفرد والمثنّى والجمع والمذكّر والمؤنّث بلفظ واحد هو من البُعد، كأنّ الإنسان إذا اعترته هذه الحالة يبتعد من النظافة، وحصول الجنابة بالإنزال أو الإدخال ((فَاطَّهَّرُواْ )) من تطهّر ثم أُدغِمت التاء في الطاء وجيء بهمزة الوصل لامتناع الإبتداء بالساكن، والتطهير هو الإغتسال بالإرتماس في الماء مرة واحدة أو الترتيب بغسل الرأس والرقبة ثم الجانب الأيمن ثم الجانب الأيسر ((وَإِن كُنتُم مَّرْضَى )) لا تتمكّنون من إستعمال الماء للوضوء ((أَوْ عَلَى سَفَرٍ ))، أي مسافرين -وقد سبق أن ذُكر السفر لغلبة عدم وجود الماء فيه- ((أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ )) والغائط هو المحل المنخفض من الأرض وسمّي البرازية بعلامة الحال والمحل وذلك كناية عن الحدث ((أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء )) وهو كناية عن الجماع ((فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء )) هذا مرتبط بالسفر والحدث واللمس ((فَتَيَمَّمُواْ )) معنى الآية بالجملة أنّ مريد الصلاة يلزم عليه الوضوء والغُسل إن كان جُنُباً -وإن كان مريضاً يضرّه الماء أو مسافراً أو مجامِعاَ- ولم يجد الماء للغُسُل أو الوضوء فليتيمّم، ويبقى قوله (أو جاءَ أحد منكم من الغائط) فإنه ليس في رديف تلك الأمور، ولعلّ الإتيان به مراعاة غَلَبة التخلّي عند إرادة الصلاة، وقد سبق أنّ التيمّم مصدر باب التفعّل بمعنى القصد، أي إقصدوا ((صَعِيدًا ))، أي أرضاً ((طَيِّبًا )) ليس بنجس ولا مغصوب ((فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ)) الباء للتبعيض، أي بعض وجوهكم وهو من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى ((وَأَيْدِيكُم )) من الزند إلى رؤوس الأصابع ((مِّنْهُ ))، أي مبتدِءاً بالمسح من ذلك الصعيد فاللازم أن يضرب باليدين على الأرض ثم يمسح بها -ليصدق (منه)- ((مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ )) من ضيق فأمره بالوضوء والغُسل والتيمّم ليس لأجل التضييق عليكم ((وَلَكِن يُرِيدُ)) الله سبحانه ((لِيُطَهَّرَكُمْ )) وينظّفكم من الأدران وال,ساخ الظاهرية والباطنية، أما تطهير الغُسل والوضوء من الأدران فظاهر وأما تطهير التيمّم فقد ثَبَتَ في العلم الحديث أنّ التراب يقتل الجراثيم بمرتبة أضعف من مرتبة الماء -أنظر : الخليلي ، سلسلة منابع الثقافة الإسلامية ، إصدار كربلاء (العراق)- ((وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ )) بإرشادكم إلى مصالحكم كلها بعد ما أرشدكم إلى أكبر النِعَم وهو الإيمان ((لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) إياه بما أنعم عليكم وأرشدكم إلى مصالحكم وما يقرّبكم منه سبحانه . |
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 4:57 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 7
| ((وَ)) إذ أتمّ سبحانه نعمته عليكم فـ ((اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ)) اذكروا ((مِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ ))، أي عهده الذي عاهدكم به من الإيمان والسمع والطاعة فقد أخذ سبحانه ميثاق الأمم على يد الأنبياء ((إِذْ قُلْتُمْ )) بعد ما آمنتم ((سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا )) فعليكم حسب المعاهدة السمع والطاعة وعلى الله الإسعاد في الدنيا والآخرة والله سبحانه فَعَلَ ما عليه فعليكم أن تفعلوا ما عليكم ((وَاتَّقُواْ اللّهَ )) فلا تخالفوا أوامره ونواهيه ((إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) في الظلال قال : وذات الصدور أي صاحبة الصدور الملازمة لها اللاصقة بها وهي كناية عن النيّات المقيمة والأسرار الدفينة والمشاعر التي لها صفة الملازمة للقلوب والإستقرار في الصدور وهي على خفائها هناك مكشوفة لعلم الله والله بها عليم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 8 | ثم يرجع السياق إلى لزوم الجادة وعدم الإعتداء -كما سبق- في قوله (ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ أن صدّوكم) كما تجد مثل ذلك كثيراً في القرآن الحكيم حيث يلطّف الجو بذِكر الصلاة ونحوها ثم يرجع إلى المطلب السابق بعدما لطّف الجو وربطه بالطابع الإلهي العام وأخرج الكلام عن كونه مملّاً ثم إنّ ما يأتي هو من الميثاق الذي واثَقَ الله عياده به ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ ))، أي كثيري القيام لأمر الله سبحانه ورضاه ((شُهَدَاء بِالْقِسْطِ ))، أي بالعدل في كل أمر من الأمور ((وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ ))، أي لا يحملنّكم ((شَنَآنُ قَوْمٍ ))، أي عدائهم لكم ((عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ )) في الحُكم عليهم والسيرة بينهم، فإنّ الإنسان إذا عادى شخصاً لا يعدل بالنسبة إليه -غالباً- إنتقاماً وشفاءاً لما في صدره من الضغينة عليه ولذا كان من أُسُس الإسلام قول الحق في الرضا والغضب ((اعْدِلُواْ هُوَ ))، أي العدل ((أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )) وليس المفهوم أنّ الجَور قريب إلى التقوى فإنّ التفضيل في مثل المقام ينسلخ عن معناه اللغوي ((وَاتَّقُواْ اللّهَ )) باجتناب نواهيه والإتيان بأوامره ((إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) فيجازيكم على أعمالكم إن خيراً فخير وإن شراً فشر .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 9 | ((وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ )) بالله ورُسله وما جائوا به ((وَعَمِلُواْ )) الأعمال ((الصَّالِحَاتِ )) وذلك يلازم ترك السيئات ((لَهُم مَّغْفِرَةٌ )) لذنوبهم ((وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)) وجملة (لهم مغفرة) في موضوع نصب مفعولاً لوعد ولعل سر الإتيان بالجملة إفادة أنّ المطلب مقطوع به فإنّ الجملة الإسمية تفيد اليقين .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 10 | ((وَالَّذِينَ كَفَرُواْ )) فلم يؤمنوا إيماناً صحيحاً ((وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا )) ببراهيننا وأدلّتنا التي أقمناها على التوحيد وسائر الأصول ((أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)) الذين يصاحبون النار ويخلدون فيها .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 11 | ثم ذَكَّرَ المؤمنين بنعمة من نعمه سبحانه وأنه كيف وفّى لهم بميثاقه حيث أنقذهم من كيد أعدائهم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ ))، أي قَصَدَ وأرادَ ((قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ )) والمراد ببسط اليد إيذائهم وقتلهم واستئصالهم، قال القمي : يعني أهل مكة من قبل فتحها، فكفّ أيديهم بالصلح يوم الحديبية، وقيل أن المراد بذلك العموم، أي مَن أرادَ السوء بالمسلمين، وقيل المراد بالقوم خصوص بني النظير حيث أرادوا قتل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأُخبر بذلك فنُجّي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من كيدهم، وقيل غير ذلك ((فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ))، أي منعهم عن الفتك بكم بل نصركم عليهم ((وَاتَّقُواْ اللّهَ )) بامتثال أوامره واجتناب زواجره ((وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)) يكلون إليه سبحانه أمورهم ويجعلونه نصيراً وظهيراً لهم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 12 | لو كانت الآية السابقة حول بني النظير -وهم من اليهود- لكان الإرتباط بين الآيتين واضحاً إذ بيّن سبحانه هنا أنهم خانوا الأنبياء من قبل ما تفضّل الله عليهم بكل خير ونعمة فكيف لا يريدون خيانة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويحتمل أن يكون الإرتباط منجهة الميثاق فيريد سبحانه أن يذكّر المسلمين حتى لا يكونوا كاليهود الذين خانوا ونقضوا الميثاق بعد أخذه منهم إذ قد سبق قوله (وميثاقه الذي واثَقَكُم به) ((وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ)) العهد الأكيد الذي أخذه الله منهم على لسان أنبيائه ((وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا )) من النقب وهو الكشف، فكان النقيب -وهو كفيل القوم- ينقب عن أسرارهم ويكشف ضمائرهم ليسير بهم نحو الخير والصلاح في المجتمع، أي أمرنا موسى بأن يبعث من الأسباط الإثني عشر إثنى عشر رجلاً كالضلائع يتحسّبون ويأتون بني إسرائيل بأخبار أرض الشام وأهلها الجبارين فاختار من كل سبط رجلاً يكون لهم نقيباً، أي أميناً كفيلاً، فرجعوا يهنون قومهم عن قتالهم لما رأوا من شدة بأسهم وعُظم خَلقهم إلا رجلين منهم بن يوقنا يوشح بن نوى ((وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ))، أي قال لبني إسرائيل وكونه معهم بمعنى أنه يؤيدهم وينصرهم ويهديهم ((لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ )) يامعشر بني إسرائيل ((وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ ))، اي أعطيتموها ((وَآمَنتُم بِرُسُلِي )) الذين يأتون من بعد موسى (عليه السلام) ولذا أخّرَ الإيمان من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ((وَعَزَّرْتُمُوهُمْ ))، اي عظّمتموهم أو نصرتموهم ((وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا ))، أي أنفقتم في سبيله فإنه كالقرض الذي يُعطى ثم يُؤخذ والمراد بكونه حسناً أن لا يكون فيه مَنّ ولا إيذاء ولا دواعي غير الله سبحانه ((لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ ))، أي أُذهبنّ، ومعنى التكفير التغطية، أي أُغطّي بالغفران ((سَيِّئَاتِكُمْ)) التي صدرت منكم وهو جواب (لئن أقمتُم) ((وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ))، أي من تحت قصورها وبساتينها ((فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ))، أي بعد أخذ الميثاق ((مِنكُمْ )) يابني إسرائيل ((فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ))، أي أخطأ وسط الطريق فإنّ (سواء) كل شيء وسطه .
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 4:57 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 13
| ((فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ ))، أي بسبب نقض اليهود ميثاقهم الذي كان بين وبينهم حيث أنهم تركوا الصلاة ورفضوا الزكاة وكذّبوا بالرُسُل وقتلوهم ((لَعنَّاهُمْ ))، أي طردناهم عن ساحة القُرب وقطعنا رحمتنا منهم حيث جعلنا بعضهم قردة وخنازير وجعلناهم مشرّدين مطرودين دائماً لا تقوم لهم قائمة ((وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً )) يابسة غليظة تنبو عن قبول الحق وتميل نحو الظلم والكفر وجعله سبحانه قلوبهم قاسية بمعنى تركه اللُطف بهم حتى ردئت ملكتهم كمن يعصي إستاذه في أوامره قيترك تدريسه وتهذيب أخلاقه حتى يصبح جاهلاً ذا أخلاق سيئة ((يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ )) جمع كلمة ((عَن مَّوَاضِعِهِ )) وتحريفهم الَلِم على قسمين بمحو بعض التوراة وإثبات غيره مكانه وقسم بتأويله على غير المعنى المقصود منه ((وَنَسُواْ حَظًّا ))، أي قسماً ((مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ ))، أي من الأحكام التي ذكرناهم في التوراة بتلك الأحكام فإنه قد فُقَدَ بعض التوراة مما لا يعلّمونه الأمة، أو المراد من النسيان أ،ه صار كالمعنى عندهم من جرّاء عدم العمل، فإنّ النسيان يُطلق على ما أهمله الإنسان، يُقال : نسيني، أي أهملني، قال سبحانه (نسوا الله فنَسِيَهُم) ((وَلاَ تَزَالُ )) يارسول الله ((تَطَّلِعُ )) باستمرار ((عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ ))، أي طائفة خائنة أو نفس خائنة إذا قالوا قولاً خالفوه وإذا عاهدوا عهداً نقضوه -كما أراد بنو النظير الغدر به والخيانة بعد الميثاق ((إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ)) أما الإستثناء من الجميع أو من الجملة الأخيرة، فإنّ (قليلاً منهم) ليسوا كذلك كعبد الله بن سلام أو إنّ قليلاً منهم لا يخون ((فَاعْفُ عَنْهُمْ ))، أي عن هؤلاء ((وَاصْفَحْ ))، أي تجاوز فإنّك لستَ منتقِماً وإنّ ذلك ليس من شأنك ((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) فإنّ العفو والصفح إحسان والإحسان محبوب حتى بالنسبة إلى المجرم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 14 | هذا كان شأن اليهود أما النصارى فليسوا أحسن حالاً من اليهود من بعض الجهات ((وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى )) قولاً باللفظ لا إعتقاد بالقلب كما تقول : فلان يقول أني مسلم، تريد بذلك أنه ليس بمسلم حقيقة بل مسلم قولاً ((أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ )) من إقامة الصلاة وإيتاء لزكاة والإيمان بالرُسُل واتّباع أوامر الله ((فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ )) كما نسي اليهود ذلك من ذي قَبل ((فَأَغْرَيْنَا )) التسليط والتحريش والتحريض ((بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) فإنهم إنقسموا إلى أقسام وأخَذَ بعضهم يعادي بعضاً عداءاً لا مثيل له حتى إنّ عداء بعضهم لبعض بَلَغَ إلى حيث لم يبلغ عدائهم لليهود والمسلمين والوثنيين وقد شهد التاريخ قديماً مذابح من فرق النصارى ومعادات الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس فعلاً لا يحتاج إلى برهان وهذا أحد معاجز القرآن الحكيم كإخباره عن ذلّة اليهود وأنه ضُربت عليهم الذلّة والمسكنة، وهنا سؤال أنه كيف يكون إلى يوم القيامة وفي زمان المهدي (عليه السلام) يُسلم الكل وجهه إلى الله ثم أنّ يوم القيامة إنما يكون بعد موت الناس عشرات السنوات ؟ والجواب : أنّ هذا معناه بقاء العداوة ما بقوا يعتبر عن إستمرار الشيء إلى الأخير بمثل هذا التعبير ((وَسَوْفَ )) في يوم القيامة ((يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ ))، أي يُخبرهم سبحانه ((بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)) ويقف التعبير إلى هذا الحد ليرسم صورة من التهديد كما تقول للمجرم غداً أُنبّئك بما عملتَ اليوم، تريد بذلك تهديده بالعقاب القاسي .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 15 | ثم خاطب سبحانه أهل الكتاب بصورة عامة يهديهم سواء السبيل ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )) أيها اليهود والنصارى -ولعلّ المجوس أيضاً داخل في الخطاب- ((قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا )) محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ )) من أحكام الله سبحانه التي عارضت مصالحهم فأخفوه عن الناس إبقاءً على كيانهم وإنحرافهم ((وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ )) من ما إستوجبوه من العقاب أو يعفو عن بعض الأحكام التي أوجبت عليهم عقوبة كما قال سبحانه (فبظلمٍ من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات أُحلّت لهم) فالفرصة سانحة الآن لتتداركوا ما فات منكم ((قَدْ جَاءكُم )) ياأهل الكتاب ((مِّنَ اللّهِ نُورٌ )) هو الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فكما إنّ النور الخارجي يهتدي به إلى الأمور المحسوسة في الظلمة كذلك النور المعنوي يهتدي به إلى دروب الحياة في ظلمات الأهواء والجهل ((وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)) هو القرآن فإنه واضح لا لبس فيه ولا غموض .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 16 | ((يَهْدِي بِهِ ))، أي بكل واحد من النور والكتاب كما قال سبحانه (وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه)، أي كلّ واحد منهما ((اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ ))، أي من اتّبع رضوان الله -أي رضاه- بقبول القرآن ونبوّة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((سُبُلَ السَّلاَمِ ))، أي طرق السلامة في كل شيء السلامة في الدين والسلامة في الآخرة للفرد وللمجتمع ((وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )) فإنّ الحياة ظلمات لا يدري الإنسان كيف يسير في دروبها وبالقرآن والنبي يهتدي إلى الحق ويُنير طريقه ((بِإِذْنِهِ )) بإذن الله ولُطفه ((وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) يوصلهم إلى سعادة الدنيا والآخرة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 17 | إنه يهدي إلى الصراط المستقيم في العقيدة لا الإعتقاد بأنّ المسيح هو الله أو الإعتقاد بأنّ لله أبناء ((لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )) فإنه سواءً جعلوه إلهاً واحداً أو شريكاً له كفروا إذ إنكار الله سبحانه والتشريك معه كلاهما كفر ((قُلْ )) يارسول الله في إبطال قولهم ((فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا ))، أي من يقدر على أن يدفع أمراً من أوامر الله وإرادة من إراداته ((إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا )) إنّ المسيحيون معترفون بذلك وأنه بإمكان الله أن يهلك كل أولئك فكيف يجتمع هذا الإعتراف مع الإعتقاد بإلوهيّة المسيح أنّ الإله لا يمكن لأحد مخالفة أمره التكويني فكيف يتمكن أحد إهلاكه ؟ ((وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا )) فكيف يمكن له شريك أنّ كلّ شيء يُتصوّر فهو مُلك لله وهل يمكن أن يكون إله مملوك ؟ ((يَخْلُقُ مَا يَشَاء )) إن شاء خلق من دون ذكر ولا أنثى كآدم وحواء (عليهما السلام) وإن شاء خلق من ذكر وأنثى كسائر الناس وإن شاء خلق من أنثى دون ذكر كالمسيح (عليه السلام) فليس في خلقه دلالة على ألوهيّته كما زعمت النصارى ((وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) ليست قدرته منحصرة في شيء أو أشياء خاصة حتى إذا كان خلق بمعنى ذلك الشكل دلّ على أنه ليس من خلقه .
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 4:58 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 18
| ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ )) فإنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمّا حذّرهم بنقمات الله وعذابه قالوا : نحن أبنائه، والإبن الحبيب لا يخاف من نقمة الأب الودود ((قُلْ )) يارسول الله لهؤلاء المفترين ((فَلِمَ يُعَذِّبُكُم )) الله ((بِذُنُوبِكُم )) ؟ حيث تعترفون بما حكى القرآن عنهم (وقالوا لن تمسّنا النار إلا أياماً معدودة) فإن كُنتم أبناءاً أحباءاً لم يكن معنى للعذاب ولعلّ المراد من المستقبل الماضي، أي لِمَ عذّبكم سابقاً بذنوبكم حيث جعل القِردة والخنازير وأشباه ذلك ((بَلْ أَنتُم )) أيها اليهود والنصارى ((بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ )) تعالى إن أحسنتم جوزيتم وإن أسئتم جوزيتم كما يُجازي غيركم من الناس ((يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء )) من العاصين ((وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء )) منهم أنه لا بنوّة ولا عواطف خاصة بين الله وبينكم ((وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )) فليس شيء من نفس الله حتى لا يملكه سبحانه -كما تدّعون أنتم من كونكم أبنائه- ((وَمَا بَيْنَهُمَا )) من سائر المخلوقات والمراد بالسماء هنا الكواكب وما يُرى في ناحيتها -كما هو المنصرف- حتى يتصوّر ما بينهما لا جهة العلو ((وَإِلَيْهِ )) سبحانه ((الْمَصِيرُ)) المرجع والمآل فليس هناك غيره يملك شيئاً أو يرجع إليه في أمر .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 19 | ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا )) محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((يُبَيِّنُ لَكُمْ)) الأصول والفروع ((عَلَى )) حين ((فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ ))، أي إنقطاع منهم فلم يكن قُرب بعثة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبي وقد كُنتم في جهالة وضلالة والآن جاء المعلّم المنقذ الهادي ولعلّ سر الفترة تبيّن الأمر وبوضوح أنّ الدنيا لا تستقيم إلا بهدى السماء فإنه لما إنقطع الوحي في الفترة ساد العالم خراب وفوضى لا مثيل لها، وليكون تجربة عملية، وإنما جاء الرسول لئلا تحتجّوا و((أَن تَقُولُواْ )) يوم القيامة ((مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ )) حتى نهتدي ونصلح ((فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ)) لمن آمن واتقى بالجنة ((وَنَذِيرٌ )) لمن كفر أو عصى بالنار ((وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) يقدر على أن يُرسل الرسول فليس لشخص أن يقول : كيف يكون هذا رسولا ؟ .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 20 | ويرجع السياق إلى قصة بني إسرائيل الذين ينقضون كل المعاهدات والمواثيق وأنهم لم يفوا بموسى نبيّهم المعترف به فكيف يفون بغيره ممن لا يعترفون به عناداً وحسداً ((وَ)) اذكر ((إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ )) فقابلوها بالإطاعة واتباع الأحكام ((إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء )) فقد كان سبعون نبيّاً في عهد موسى (عليه السلام) ولعل سر كثرة الأنبياء في تلك الأزمنة كون البشر في مثل حالة الأطفال الذين يحتاجون إلى متعدّد من المربّين بخلاف عهدي عيسى (عليه السلام) والرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان كمل نضج البشر أكثر فأكثر كالكبار الذين لا يحتاجون إلا إلى مرشد واع، وهنا نكتة لابد من ذكرها وهي أنّ الإنهزامية الغربية التي غزت نفوس المسلمين جعلهم يفكرون حول الأنبياء والأمم كما فكّر دارون وتلاميذه القائلون بالتطوّر مع العلم أنّ القرآن والسنّة يكذبون ذلك وأنّ أول بشر على وجه الأرض كان نبيّاً أوتي من جميع أولاده وزوجته الذين بُعث إليهم نبيّاً وهكذا تسلسلت الأمم كلما إبتعدوا عن النبي توحّشوا وكلما إقتربوا إليه إرتقوا مدارج الإنسانية وبنو إسرائيل كانوا أمة بعيدة عن الإنسانية والفضيلة -بأنفسهم- لا إنّ قبلهم كانوا أكثر توحشاً كما يقول "المتطورون" ويتصورون كذباً واختلافاً وتقليداً : إنسان الغاب وقبله القرد ومن حُسن الحظ أنّ علماء الغرب نقدوا رأي دارون وأقاموا أدلة على بطلانه لكن المنهزمون عندنا بعدهم في هزيمتهم النكراء يلعقون قصاع دارون ((وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا)) فقد كان فيهم الملوك والساسة والقادة ((وَآتَاكُم ))، أي أعطاكم ((مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ)) من إنزال المن والسلوى والتفضيل على سائر الأمم الذين في زمانهم بجعلهم من نسل الأنبياء ولبث الأنبياء منهم وجعلهم ملوكاً وإغراق أعدائهم إلى غيرها .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 21 | ((يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ)) وهي أرض الشام التي قُدّست وطُهّرت من الشرك وبوركت بكثرة الأشجار والأنهار وطيب الهواء وكثرت فيها الأنبياء وقد كانوا في مصر عبيداً وها هم نجو من أعدائهم ويريد الله بهم أن يدخلوا الشام ليكونوا فيها سادة وملوكا ((الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ )) فيها السيادة والسعادة ((وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ ))، أي لا ترجعوا عن الأرض التي أُمرتم بدخولها ((فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ)) سعادة الدنيا وثواب الآخرة بسبب عدم مكان مريح لكم في الدنيا وعدم سماع أمر الله الموجب لحرمانكم من الثواب في الآخرة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 22 | ((قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا )) في الأرض المقدّسة ((قَوْمًا جَبَّارِينَ )) شديدي البأس والبطش ((وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا ))، أي الأرض المقدّسة ((حَتَّىَ يَخْرُجُواْ ))، أي يخرج الجبّارون ((مِنْهَا )) هم بأنفسهم بدون تعب أو نصب أو قتال ((فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ)) فيها، قال في المجمع (بتلخيص) : قال المفسّرون لمّا عبر موسى وبنو إسرائيل البحر وهلك فرعون أمَرَهم سبحانه بدخول الأرض المقدّسة فلما نزلوا على نهر الأردن خافوا من الدخول فبعث موسى من كلّ سبط رجلاً وهم الذين ذكرهم الله في قوله وبعثنا منهم إثني عشر نقيباً فعاينوا من عظم شأنهم وقوّتهم شيئاً عجيباً فرجعوا إلى بني إسرائيل فأخبروا موسى (عليه السلام) بذلك فأمَرَهم أن يكتموا ذلك فوفى إثنان منهم يوشع بن نون وكالب بن يوقنا وعصى العشرة وأخبروا بذلك وفشا الخبر في الناس فقالوا : إن دخلنا عليهم تكون نسائنا وأهالينا غنيمة لهم، وهمّوا بالإنصراف إلى مصر وهمّوا بيوشع وكالب أن يرجموهما بالحجارة فاغتاظ لذلك موسى وقال : إني لا أملك إلا نفسي وأخي، فأوحى الله إليهم أنهم يتيهون في الأرض أربعين سنة وإنما يخرج منهم من لم يعصِ الله في ذلك، فبقوا في التيه أربعين سنة في ستة عشر فرسخاً وهم ستمائة ألف مقاتل لا تتخرق ثيابهم وتثبت معهم وينزل عليهم المن والسلوى ومات النقباء غير يوشع وكالب ومات أكثرهم ونشأ ذريتهم فخرجوا إلى حرب أريما وفتحوها . |
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 4:58 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 23
| ((قَالَ رَجُلاَنِ )) هما يوشع وكالب ((مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ )) الله تعالى فيتّبعون أوامره وزواجره ((أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا )) بالدين والعقل ((ادْخُلُواْ )) يابني إسرائيل ((عَلَيْهِمُ ))، أي على هؤلاء الجبّارين ((الْبَابَ ))، أي باب المدينة ((فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ )) إلى الباب ((فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ )) فقد كان أخبرهم موسى (عليه السلام) بالنصر ((وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ )) في نصرة الله لكم على الجبّارين ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) إيماناً حقاً فإنّ من توكّل على الله كفاه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 24 | ((قَالُواْ ))، أي بنو إسرائيل لموسى (عليه السلام) ((يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا ))، أي لن ندخل المدينة ((أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا ))، أي ما دام الجبارون في المدينة فقد خافوا منهم ولم يثقوا بوعد الله النصر لهم ((فَاذْهَبْ )) ياموسى ((أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا )) الجبارين ولعلّ مرادهم ليس ما ينافي نزاهة الله عن التجسيم بل قصدوا أن يدفعهم الرب، كما قال سبحانه (ولكن الله رمى) وقال (وجاء ربك)، ولذا لم ينكر موسى (عليهم السلام) مقالتهم، أو قصدوا التجسيم وأنكر موسى لكن القرآن لم يحكِ ذلك لأنه ليس بصدد بيان الواقعية بكل مزاياها ((إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)) ننتظر تطهير المدينة من الجبارين حتى ندخلها أما أن نحارب الجبارين فلا طاقة لنا بذلك ولا نقدم عليها .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 25 | ((قَالَ )) موسى (عليه السلام معتذراً لله عن مخالفة قومه مخاطباً لله سبحانه ((رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي )) هارون فإنّ نفسي هي التي تطيع أوامرك وكذلك أخي هو الذي يطيعني ويسمعني إذا أمرته بشيء أما هؤلاء فليسوا كذلك أما يوشع (عليه السلام) ومن كان على شاكلته فلعلهم لم يكونوا حاضرين إذ ذاك عند هذا الحوار ((فَافْرُقْ ))، أي أفصِل اللهم ((بَيْنَنَا )) أنا والأخ ((وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)) الذين لا يطيعون الأوامر والمراد بالفرق عدم إجراء حكم واحد عليهم في الدنيا والآخرة فإنهما (عليهما السلام) قد باينا قومهما بالإطاعة حين عصى أولئك .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 26 | ((قَالَ )) الله تعالى لموسى (عليه السلام) وإذ عصوني ولم يؤمنوا بوعدي ((فَإِنَّهَا ))، أي الأرض المقدّسة ((مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ )) دخولها، أي نمنعهم عنها ((أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ )) من تاه إذا ضلّ ولم تهتدِ الطريق إلى مقصده ((فِي الأَرْضِ )) فإنهم كانوا يمشون إلى الليل فإذا أرادوا في اليوم الثاني السفر رأوا أنفسهم في مكانهم السابق ((فَلاَ تَأْسَ ))، أي لا تحزن ((عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)) وإنهم كيف تاهوا أربعين سنة ووقعوا في هذه الصعوبة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 27 | إنّ حال اليهود في نقض العهد وارتكاب الفواحش بلا مبرر حال إبني آدم (عليه السلام) هابيل وقابيل فإنّ الله أوحى إلى آدم أن يدفع الوصية وإسم الله الأعظم إلى هابيل وكان قابيل أكبر فبلغ قابيل فغضب فقال أنا أولى بالكرامة والوصية فأمرهما أن يقرّبا قرباناً بوحي من الله إليه ففعلا فتُقبّل قربان هابيل حيث أخلص وقدّم خير ما له ولم يُتقبّل قربان قابيل حيث أساء النيّة وقدّم شر ما له، ولما رأى قابيل أنّ قربانه لم يُقبل حسد وعمد إلى هابيل ووضع رأسه بين حجرين فشدخه فمات ولم يدرِ ماذا يصنع بجثته فجاء غرابان فقتل أحدهما الآخر ودفن جثته فتعلّم قابيل فدفن جثة هابيل ((وَاتْلُ ))، أي إقرأ ((عَلَيْهِمْ ))، أي على اليهود ((نَبَأَ ))، أي خبر ((ابْنَيْ آدَمَ )) هابيل الصالح وقابيل الطالح ((بِالْحَقِّ ))، أي تلاوة بالحق والصدق فليس فيه كذب وهين ((إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا )) القربان هو ما يقصد به التقرّب إلى الله تعالى ((فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا)) وهو هابيل (( وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ )) وهو قابيل، قالوا : وكانت علامة القبول أن تأتي نار من السماء فتأكل ما تُقبّل فأكلت النار قربان هابيل ولم تأكل قربان قابيل ((قَالَ)) قابيل الذي لم يُتقبّل قربانه لهابيل (عليه السلام) ((لَأقْتُلَنَّكَ)) حسداً وعناداً ((قَالَ )) هابيل (عليه السلام) : وما ذنبي ؟ ((إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)) ولعل هذا كان تنبيهاً له لأن يتّقي الله حتى يحبوه بكرامته ولم يكن تبجّحاً قطعاً .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 28 | ثم قال هابيل (عليه السلام) لقابيل ((لَئِن بَسَطتَ ))، أي مددت ((إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ))، أي تريد قتلي ((مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ ))، أي ماد ((يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ )) فإنّ من يريد قتل إنسان ظلماً لا يجوز للمظلوم إلا المدافعة لا قتل الظالم إلا إذا توقّف الدفاع عليه، أو المراد : إن أردتَ قتلي ظلماً فإنّي لستُ أريد قتلك كذلك ((إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)) في أن أقتل أحداً ظلماً .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 29 | ((إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ ))، أي ترجع أنت ياقابيل ((بِإِثْمِي ))، أي إثم قتلي ((وَإِثْمِكَ ))، أي وِزرك الذي عليك من غير جهة القتل ومعنى الإرادة هنا مجازي لأنه مقابل إرادة الفاعل فإنّ الإنسان إذا أراد شيئاً يقول : أردتُ ، وإذا لم يرد أن يفعله وأراد غيره فعله يقول : أردتُ أن يفعله غيري، فالتعبير بالإرادة هنا للمقابلة نحو قوله (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) فقولنا : أريد أن تُذنب يُراد به : إني لا أذنب بل أنت تحمل الذنب، لا إنه إرادة حقيقة من المتكلم لذنب المخاطب فلا يُقال : كيف يصح أن يريد هابيل (عليه السلام) أن يأثم قابيل ((فَتَكُونَ )) أنت ياقابيل ((مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ )) الملازمين لها ((وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ)) الذين يظلمون أنفسهم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 30 | ((فَطَوَّعَتْ ))، أي شجّعت ((لَهُ ))، أي لقابيل ((نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ )) هابيل ((فَقَتَلَهُ )) قالوا قتله غيلة ((فَأَصْبَحَ )) قابيل ((مِنَ الْخَاسِرِينَ)) الذين خسروا الدنيا والآخرة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 31 | وحينما قتله لم يدرِ كيف يصنع بجثته لأنه لم ير من قبل ذلك ميتاً ((فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ ))، أي يتطلب ويفتّش ويثير التراب ليدفن الغراب الآخر الذي قتله إذ جاء غرابان فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر فدفنه ((لِيُرِيَهُ ))، أي يُري الغراب قابيل ((كَيْفَ يُوَارِي ))، أي يستر ((سَوْءةَ ))، أي جثة ((أَخِيهِ )) وإنما سمي البدن "سوئة" لأنه سائه بدنه المقتول ((قَالَ )) قابيل لما رأى فعل الغراب ((يَا وَيْلَتَا ))، أي ياويلي، والويل بمعنى الهلاك، أي ياهلاكي احضر فهذا أوانك، نحو ياعجباً ((أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ )) في العلم بكيفية الخلاص من جثة أخي ((فَأُوَارِيَ ))، أي أستر بالتراب ((سَوْءةَ أَخِي )) ثم دفنه ((فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)) على قتله، ولم يكن ندم توبة وإنما ندم فعل فلا يُقال : كيف يعاقَب وقد تاب ؟ ، قال إبن عباس : لما قتل قابيل هابيل أشاكَ الشجر وتغيّرت الأطعمة وحمضت الفواكه وأمّر الماء واغبرّت الأرض فقال آدم : قد حدث في الأرض حدث فأتى الهند فإذا قابيل قد قتل هابيل فأنشأ يقول : تغيّرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبرّ قبيح تغيّر كلّ ذي لون وطعم وقلّ بشاشة الوجه الصبيح |
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 4:59 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 32
| ولما حكى سبحانه قصة إبني آدم وأظهر بشاعة الجريمة ذكر جملة من الحدود على الجرائم وإبتدء بالقتل للتناسب فقال تعالى ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ )) أجل في اللغة بمعنى الجناية، يُقال : أجَلَ عليهم شراً أي جنى، أي من إبتداء تلك الجناية فـ (من) إبتدائية وذلك إشارة إلى قتل قابيل هابيل، أي من وقت تلك الجناية قررنا الحكم الآتي وهو : إنّ (مَن قَتَلَ نفساً) الآية، وبعض المفسرين يفسر (أجَل) بالمعنى المتعارف فالمعنى : من أجل الإعتداء الذي لا موجب له ولا مبرر على المسلمين الوارعين الذين لا يريدون شراً ولا مدافعة ((كَتَبْنَا ))، أي فرضنا ((عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ )) وليس الحكم خاصاً بهم وإنما أتى بذكرهم لأنهم مورد البحث والكلام وأنهم الذين عاكسوا أحكام الله وقتلوا أنبيائه ((أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا ))، أي إنساناً قتلاً ظلماً ((بِغَيْرِ نَفْسٍ ))، أي لا بمقابل نفص حتى يخرج قتل القاتل فرداً من الموضوع للحكم ((أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ))، أي لم يكن المقتول مُفسِداً حتى يستحق بذلك أن يُقتل ((فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا )) إنه باعتدائه على حياة بلا مبرر كان كمن إعتدى على الحياة كلها ((وَمَنْ أَحْيَاهَا )) لا إحياءاً من العدم بل إحياءاً بمعنى التحفظ على حياتها وإنجائها من الهلاك ((فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)) حيث إنّ تحفّظه على حياة يكون كتحفّظ على الحياة كلها إنّ الحياة كلّ سارٍ في كلّ حي، فالتعدّي على فرد تعدّي على الكل كما إنّ التحفظ على فرد تحفّظ على الكل ((وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ))، أي أتت إلى بني إسرائيل -الذين يدور الكلام حولهم- ((رُسُلُنَا )) أنبيائهم ((بِالبَيِّنَاتِ ))، أي الأدلة الواضحة الدالة على صدق نبوّتهم ((ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم ))، أي من بني إسرائيل ((بَعْدَ ذَلِكَ ))، أي بعد مجيء الرُسُل إليهم ((فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ))، اي يجاوزون الحد فقد كانوا يستحلّون المحارم ويسفكون الدماء .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 33 | وبمناسبة قتل النفس بغير حق ذَكَرَ سبحانه حُكم من يسعى في الأرض فساداً، وقد ورد في شأن نزول هذه الآية أنّ قوماً من بني ضبّة قَدِموا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرضى فبعثهم إلى إبل الصدقة يشربون من أبوالها ويأكلون من ألبانها فلما برئوا واشتدوا قتلوا ثلاثة من كان في الإبل وساقوا الإبل، فبعث إليهم علياً (عليه السلام) فأسرهم فنزلت هذه الآية فاختار رسول الله القطع فقطع أرجلهم وأيديهم من خلاف، وفي بعض الروايات أنها نزلت في قُطّاع الطرق ولا منافات بين الأمرين ((إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ ))، أي يحاربون أوليائه فإن! محاربة المتعلّقين بشخص هو محاربة ذلك الشخص كقوله تعالى (يؤذون الله ورسوله) ((وَرَسُولَهُ ))، أي يحاربون رسوله وهذا أيضاً كذلك فإنّ محاربة أولياء الرسول محاربة للرسول ((وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا )) بالإفساد وشهر السلاح للإخافة، ولا يخفى أنه لو لم نقل بعموم الآية لكلّ من صدق عليه هذا الموضوع كان اللازم أن يحمل على قُطّاع الطرق لما ورد به الروايات وكأنه إعتبر محاربة الناس وإخافتهم محاربة لله والرسول ((أَن يُقَتَّلُواْ )) تقتيلا وإنما عدّى بالتفعيل لأنّ المراد منه قتل كلهم وباب التفعيل بدل على التكثير كما قال تعالى (وغلّقت الأبواب)، أي غلّقت كل باب ((أَوْ يُصَلَّبُواْ )) بالمشنقة و(أو) هنا للتخيير كما ورد عن الصادق (عليه السلام) والإختيار إلى الإمام في ذلك ((أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ )) فتُقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى فيكون قطع كل واحدة خلاف الجهة التي يقع فيها قطع الواحدة الأخرى ((أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ))، أي من بلد إلى بلد حتى يتوب ويرجع وقوله سبحانه (إنما) معناه أنّ جزائه ذلك فحسب لا جزاء له سواه ((ذَلِكَ )) الذي ذُكر أنه يفعل بهم ((لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ))، أي عقوبة وفضيحة ((وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) في النار .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 34 | ((إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ )) فإنّ التوبة قبل الوقوع في يد حاكم الشرع تُقبل أما لو وقع ثم تاب فإنه لا تُقبل توبته بالنسبة إلى درء الحد بل يجري عليه الحد ((فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ )) يغفر ذنبهم ((رَّحِيمٌ)) لا يعاقبهم لا في الدنيا ولا في الآخرة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 35 | ثم يتوجه القرآن الحكيم إلى تربية الوجدان إلى جنب تربية الخارجين عن طاعته بالسيف والعقاب ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ )) بإتيان أوامره واجتناب زواجره ((وَابْتَغُواْ ))، أي أطلبوا ((إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ )) السبب الذي يقرّبكم إليه سبحانه من فعل الخيرات والأعمال الصالحة ((وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ )) الخارجين ع طاعته ((لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))، أي رجاء أن تفلحوا فإنّ الرجاء قائم في الفوز والفلاح ما دمتم تتّقون وتجاهدون .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 36 | ولا تكونوا كالذين كفروا الذين لم يتّقوا ولم يجاهدوا ولا طلبوا رضاه سبحانه والوسيلة إليه ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا )) من المال والجاه ((وَمِثْلَهُ مَعَهُ )) بأن كان لهم ضعف ما في الأرض وهذا من باب المثل وإلا فالمراد كلّ شيء فإنّ اللفظ قد يأتي للكثرة لا للتحديد نحو (إن تستغفر لهم سبعين مرة) ((لِيَفْتَدُواْ بِهِ )) بما في الأرض ومثله بمعنى أن يجعلوه فداءاً لهم وبدلا ((مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) حتى ينجو كما إعتاد الفداء والخلاص في الدنيا ((مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ )) الفداء ((وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) مؤلم وموجع .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 37 | ((يُرِيدُونَ ))، أي يريد الذين كفروا ويتمنّوا ((أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا )) حيث أنّ عذابهم دائم لا إنقطاع له ولا مدة ((وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ)) دائم ثابت لا يزول .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 38 | وهنا يرجع السياق إلى بيان الحدود التي إفتتحت بقصة إبني آدم ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ )) ذَكَرَ سبحانه كلّاً على حدة حتى لا يظن أنّ الحُكم لا يشتمل السارقة وقدّم السارق لأنه الغالب، وفي آية الزنا قدّم الزانية لامتهان بعض النساء للزنا ((فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا )) أربع أصابع من اليد اليمنى واليد تُطلق على مجموع العضو وإلى المرفق وإلى الزند وعلى الأصابع فقط ولم يقل يداهما لما استحسن في العربية من أنه متى إجتمع تثنيتان مضافة أحديهما إلى الأخرى حيء بالأول بلفظ الجمع كقوله سبحانه (فقد صَغَت قلوبكما) ولعلّ الأصل أنّ الجوارح في الإنسان أكثر من واحد فتكون في إنسانيين جمعاً والفاء أتى في الخبر دلالة على الترتّب والمجازات وللقطع شروط مذكورة في الفقه ((جَزَاء بِمَا كَسَبَا )) من السرقة ((نَكَالاً مِّنَ اللّهِ ))، أي عقوبة على ما فعلاه ((وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) يأخذ بعزّته ويحكم بذلك بحكمته |
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:00 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 39
| ((فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ )) بأن ندم عن السرقة ((وَأَصْلَحَ )) صار صالحاً ((فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ )) ويغفر ذنبه ((إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) يغفر لمن تاب ويرحم عباده العصاة إذا ندموا وأقلعوا .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 40 | إنّ ما ذُكر من عقاب الله وغفرانه مقتضى سلطته المطلقة ((أَلَمْ تَعْلَمْ )) أيها الإنسان ((أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )) له التصرّف في الجميع كما يشاء ((يُعَذِّبُ مَن يَشَاء )) ممن إستحقّ العقاب ((وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء )) حسب حكمته البالغة ((وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) فلا يعجزه شيء .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 41 | وفي سياق بيان الحدود وذِكر مساوئ اليهود يتعرّض القرآن الحكيم إلى قصة زنا وقعت في اليهود وراجعوا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حكمه فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) ما ملخصه : أنّ إمرأة شريفة من خيبر زنت وقد كان حكم زنا المحصّن في التوراة الرجم لكنهم راجعوا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رجاء أن يخفّف بذلك فأفتاهم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرجم وذَكَرَ أنه حكم التورات أيضاً، لكن جماعة من علمائهم أنكروا ذلك فجعل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) "إبن صوريا" أعلمهم حَكَماً فاعترف هو أنّ الحكم في التوراة هو الرجم وأنهم حرّفوا التوراة فوضعوا مكانه أن يُجلد أربعين جلدة ثم يُسوّد وجهه ويُطاف على الحمار مقلوباً تشهيراً به !، وفي بعض التفاسير أنه كان بني نضير وقريضة معاهدة في باب القتل على خلاف حكم التوراة فقد كان حكم التوراة القتل للقاتل ولكن كانت معاهدة بين القبيلتين أنه إن قتل قريضة من النضير قُتل القاتل وإن قتل نضير من قريضة أثخذت الديّة فأراد بنو قريضة المراجعة إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الحكم ليحكم لهم بحكم التوراة وقال "إبن أُبَي" المنافق الصديق لهم إنّ حكم محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما ترضون -يريد خلاف حُكم التوراة- فارضوا به وإلا فلا تقبلوه .
أقول : ومن المحتمل كون الآية إشارة إلى القصتين وعلى أيّ حال فالله سبحانه يُسلّي الرسول في مخالفة المنافقين واليهود له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال سبحانه ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ))، أي لا يوجب حُزنك وغمّك ((الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ))، أي يُسرعون للدخول فيه فالقيام على خلافك وعدم قبول حكمك ((مِنَ )) المنافقين ((الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ )) جمه فوه بمعنى الفم، أي إنّ إيمانهم لفظي وبمجرد الشهاديتن لا عن قلب وعقيدة وهو إبن أُبَي كما تقدّم ((وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ )) بل بقيت على كفرها وضلالها ((وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ ))، أي اليهود والمراد بمسارعة اليهود في الكفر تركهم لأحكام التوراة وتمسّكهم بأحكام على خلاف ما أنزل الله فإنه كفر في مرتبة اليهودية وإن كان اليهود كفاراً من أصلهم وبمقتضى بقائهم على اليهودية ((سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ))، أي هؤلاء اليهود -أو مع المنافقين- مبالغون في سماع الكذب وقبول ما تفتريه أحبارهم وشياطينهم ((سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ )) يارسول الله أنهم خاضعون بقول غيرك ممن لم يأتوك لتحكيمك في قصة الزنا أو في قصة القتل -كما تقول- ((يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ )) جمع كلمة، أي كلام الله تعالى ((مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ))، أي من بعد أن وضعه الله سبحانه في مواضعه كما حرّفوا حُكم زنا المحصن الذي هو الرجم إلى الجلد وكما حرّفوا حُكم القتل قصاصاً إلى الديّة ((يَقُولُونَ ))، أي يقول المنافقين واليهود بعضهم لبعض ((إِنْ أُوتِيتُمْ))، أي أعطاكم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((هَذَا )) وهو الجَلد في الزنا والديّة في القتل ((فَخُذُوهُ )) واقبلوه ((وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ )) هذا الحكم بل حكمه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما في التوراة من رجم الزاني وقتل القاتل ((فَاحْذَرُواْ )) عن قبول قوله، ثم توجّه الخطاب إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تسلية له عن نفاق المنافقين وتحريف اليهود قال سبحانه ((وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ ))ن أي إمتحانه فقد أراد الله سبحانه إختبار اليهود والمنافقين في هذه القضية ليتبيّن عنادهم وغيّهم وأنهم لا يرجعون إلى حكم الله ويظهر كذبهم في قولهم أنهم متدينون ((فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا ))، أي لن تستطيع يارسول الله أن تدفع عنه من أمر الله شيئاً بل إرادته نافذة وحُكمه ماضٍ ((أُوْلَئِكَ )) المنافقون واليهود ((الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ )) من الكفر فلم يلطف بهم اللطف الخاص -كما يلطفه على سائر المؤمنين- حتى يتطهّر قلوبهم من أدران الكفر إنّ الله سبحانه بيّن لهم الدلائل ونصب لهم الحُجج لكنهم أبوا من الرضوخ ولذا قطع الله تعالى لطفه عنهم ((لَهُمْ ))، أي للمنافقين واليهود ((فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ)) وفضيحة وذلة أما المنافقون فلظهور نفاقهم عند المؤمنين مما يوجب التنفّر عنهم وأما اليهود فبضرب الذلّة عليهم إلا بحبل من الله وحبل من الناس ((وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار واليهود معلوم الحال هناك .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 42 | ((سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ )) تكرير لتصوير واقعهم البشع فإنّ الإنسان إذا أراد أن يؤكّد شيئاً قاله أكثر من مرة حتى يقع في نفس السامع موقع القبول ((أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ )) جمع أكّال مبالغة أكل، أي كثيروا الأكل للرشوة وسائر أقسام الحرام ((فَإِن جَآؤُوكَ )) يارسول الله ليجعلوك حَكَماً فيما بينهم في قصة الزنا والقتل ((فَاحْكُم بَيْنَهُم )) بحًكم الله سبحانه ((أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ )) وقد جاز الإعراض لأنهم كانوا يعلمون بالحًكم حيث كان مثبوتاً في التوراة فلم يكن الإعراض يسبّب سحق حُكم الله سبحانه وجهالة المجتمع به ((وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ )) فلم تحكم بينهم ((فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا )) إذ النفع والضرر بيد الله سبحانه لا بيد غيره ((وَإِنْ حَكَمْتَ )) يارسول الله أنِ ((فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ))، أي بالعدل الذي هو إجراء حُكم الله من رجم الزاني المحصن وقتل القاتل فرداً ((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ))، أي العادلين الذين يعدلون في حكمهم |
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:00 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 43
| إنّ أمر هؤلاء اليهود عجيب فإنهم لا يعترفون بك رسولاً ومع ذلك يحكّمونك في قضيتهم وذلك ليس إلا لأنهم يريدون فراراً من حُكم التوراة إلى حُكم يطابق أهوائهم ((وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ ))، أي يجعلونك حكماً يارسول الله ((وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ ))، أي والحال أنّ لديهم التوراة التي يعترفون بها كتاباً ((فِيهَا حُكْمُ اللّهِ )) بالنسبة إلى الزنا والقتل ((ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ )) التحكيم، أو من بعد حُكمك فلا يقبلون حُكمك أيضاً ((وَمَا أُوْلَئِكَ )) اليهود والمنافقون الذين حكّموك ثم تولّوا ((بِالْمُؤْمِنِينَ)) بالتوراة أو بحمكم وإنما يُظهرون الإيمان كذباً واختلافاً .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 44 | ثم بيّن سبحانه أنّ التوراة التي أعرض عن حكمها في قصة الزنا والقتل كتاب سماوي يجب العمل به ومن المعلوم أن ليس المراد بذلك التوراة المحرّفة التي بأيدي اليهود اليوم فقد كان قسم من التوراة محفوظاً عن التحريف إلى زمان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإن كان القسم الآخر قد حُرّف قبل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما أنّ المعلوم أنّ المراد كون التوراة في وقتها هدى ونور أما إذا جاء أهدى منها وأكثر نوراً ونسخ قسماً من أحكامها لم يُعمل بالمنسوخ منها وذلك كما لو قلنا أنّ القرآن هدى ونور يُراد المجموع من حيث المجموع لا أنه يُعمل به بالنسبة إلى الآيات المنسوخة حُكمها -على تقدير تسليم النسخ في القرآن- ((إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى )) يهتدي به الناس إلى سُبُل الحق ((وَنُورٌ )) ينير دروب الحياة المظلمة -ولعل العطف لبيان- ((يَحْكُمُ بِهَا ))، أي التوراة ((النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ)) لله وأذعنوا بحكمه ومن جملة أولئك الأنبياء الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي حكم على طبقها في قصة الزاني والقاتل ((لِلَّذِينَ هَادُواْ ))، أي إنّ الحكم إنما كان للذين هادوا أما غيرهم من النصارى والمسلمين فإنما يُحكم بينهم حسب معتقدهم وقد ثبت في الشريعة جواز الحكم لكل أهل كتاب بكتابهم قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : "والله لو ثُنيت لي الوسادة لحكمتُ بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل القرآن بقرآنهم" ، كما ثبت قولهم (عليهم السلام) : "إلزموهم بما إلتزموا به" ، ولكن من المعلوم أنه ليس كلّ الأحكام كذلك بل من الأحكام ما لا يجوز أن يحكم بها والقاعدة الكلية أنه كلما أجاز الإسلام أن يحكم به الحاكم على طبق دياناتهم جاز ذلك وكلما لم يجز كان اللازم الرجوع إلى حكم الإسلام ((وَ)) يحكم بالتوراة ((الرَّبَّانِيُّونَ )) وهم المتدينون، فإنّ (ربّاني) منسوب إلى رب على غير القياس ((وَالأَحْبَارُ )) جمع حبر بالكسر والفتح وهو العالم، أي أنّ الأنبياء والأتقياء والعلماء يحكمون بالتوراة وإنما يحكم هؤلاء بالتوراة ((بِـ)) سبب ((مَا اسْتُحْفِظُواْ ))، أي إستودعوا ((مِن كِتَابِ اللّهِ ))، أي حيث أنّ الله سبحانه جعلهم حافظين للكتاب وإئتمنهم عليه يحكمون بموجبه ((وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ))، أي أنّ النبيّين والربّانيين والأحبار كانوا شهداء على أنّ ما في الكتاب حق صدق والحاصل أنّ هؤلاء يحكمون بالتوراة لأنه وديعة عندهم وهم يسهدون بصدقه وحيث بيّن سبحانه أنّ التوراة يحكم بها أولئك الصفوة وأنهم محل وديعة والشهداء على صحته بيّن أنّ مقتضى ذلك أن يكون الإنسان المتّصف بهذه الصفات شجاعاً في إظهار أحكامه فلا يخون ولا يكتم ولا يخشى الناس ((فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ )) في إظهار أحكام التوراة ومنها مسئلة رجم الزاني وقتل القاتل ((وَاخْشَوْنِ)) في ترك أمري وتحريف حكمي فإنّ النفع والضرر بيدي ((وَلاَ تَشْتَرُواْ بِـ)) مقابل ((آيَاتِي )) وأحكامي ((ثَمَنًا قَلِيلاً )) حيث أنكم إذا كتمتم الأحكام لأجل الرشوة والرئاسة كان كمن يعطي السلعة ليأخذ المال وكل شيء من المال والرئاسة في مقابل حُكم الله ثمن قليل لأنه يزول وينتقل وتبقى تبعة التحريف والكتملن والحكم بخلاف ما أنزل الله ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ )) لعل وجه الإتيان بالنفي دون أن يقول : ومن حَكَمَ بغير ما أنزل الله ، ليشمل الحاكم بالخلاف والساكت الكاتم فإنّ من يعلم حُكم الله ويسكت ويكتم يكون مصداقاً لـ (مَن لم يحكم بما أنزل الله) ((فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) ومن المعلوم أنّ عدم الحكم كفر عملي لا كفر إعتقادي إلا إذا رجع إلى الجحود لأصل من أصول الدين وإنكار ضروري من ضروريات الإسلام ويسمى كافراً لأنه ستر الحق فإنّ الكفر لغة بمعنى الستر .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 45 | ((وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ ))، أي على بني إسرائيل ((فِيهَا ))، أي في التوراة ((أَنَّ النَّفْسَ )) تُقتل ((بِـ)) مقابل ((النَّفْسِ )) فإذا قَتَلَ الإنسان شخصاً عمداً قُتل القاتل في قبال ذاك، ولعلّ هذه الآية تؤيد كون الآيات السابقة كانت بشأن قصة بني النضير وبني قريضة -كما تقدّم- ((وَالْعَيْنَ )) مفقوئة ((بِالْعَيْنِ )) أو معمية بها ((وَالأَنفَ )) مجدوعة ((بِالأَنفِ )) أما ذهاب الشم فلعله خلاف الظاهر وإن كان الحكم كذلك إذا أمكن ((وَالأُذُنَ )) مصلومة ((بِالأُذُنِ )) وفي ذهاب السمع ما تقدّم ((وَالسِّنَّ )) مقلوعة ((بِالسِّنِّ )) ولذلك كله شرائط مذكورة في كتب الفقه ((وَالْجُرُوحَ )) فيها ((قِصَاصٌ )) فمن جَرَحَ إنساناً جُرِح كما جَرَح ويدخل فيه الشفّة والذكر والبيضتان واليدان والرجلان وسائر أقسام الجروح والقصاص مشتق من قص بمعنى إتّباع الأثر كأنّ المجروح يتّبع أثر الجارح فيجرحه ((فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ ))، أي بالقصاص بأن عفى عنه وأسقطه وتنازل عن حقه ((فَهُوَ ))، أي التصدّق ((كَفَّارَةٌ ))، أي حط عن الذنوب ((لَّهُ ))، أي للمتصدّق المجروح، قال الصادق (عليه السلام) : "يكفّر عنه من ذنوبه بقدر ما عفى من جِراح أو غيره" ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ )) تقدّم الكلام فيه ((فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) الظلم هو ظلم النفس وظلم الغير، وقد إختلف التعبير هنا عن الآية السابقة (الكافرون) والآية التالية (الفاسقون) لإفادة أنّ مَن لم يحكم بما أنزل الله يتّصف بصفات ثلاث : أنه قد ستر حُكم الله وكتمه فهو كافر إذ الكافر بمعنى الساتر كما قال سبحانه (يُعجب الكفار) أي الزارع فالزارع كافر لأنه يستر الحبة تحت الأرض، وأنه قد ظلم نفسه لأنه عصى الله سبحانه في كتمان حُكمه وظَلَمَ المترافعين والمجتمع لأنّ حُكم الله هو الحق وسواه إنحراف وزيغ فهو ظالم، وأنه قد خرج بحُكمه ذاك أو سكرته عن الحق عن الجادة المستقيمة فهو فاسق إذ الفسق بمعنى الخروج والمروق . |
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:01 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 46
| ولما ذَكَرَ سبحانه اليهود إتجه الكلام إلى ذِكر النصارى مبيّناً أنّ الأنبياء من سلسلة واحدة وإنّ كتبهم كلها هدى ونور وأنّ بعضها يصدّق بعضاً ((وَقَفَّيْنَا )) من التقفية أصله القفو بمعنى إتّباع الأثَر يُقال قفّيته بكذا أي إتّبعته به ((عَلَى آثَارِهِم ))، أي آثار الأنبياء حيث قال سبحانه (يحكم بها النبيّون) ((بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ))، أي إتّبعنا على آثار النبيّين عيسى بن مريم فقد بعثناه رسولاً من بعدهم ((مُصَدِّقًا ))، أي في حال كون المسيح (عليه السلام) يصدّق ((لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ))، أي ما تقدّمه ((مِنَ التَّوْرَاةِ )) بيان ما ويُقال للسابق الزماني بين يديه تشبيهاً بالسابق المكاني الذي هو بين يدي الإسنان، أي في قباله ((وَآتَيْنَاهُ ))، أي أعطينا عيسى (عليه السلام) ((الإِنجِيلَ ))، أي أنزلنا عليه ((فِيهِ هُدًى وَنُورٌ )) تقدّم معنى ذلك ((وَمُصَدِّقًا ))، أي في حال كون الإنجيل مصدّقاً ((لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ )) فقد كان عيسى (عليه السلام) يصدّق التوراة وكتابه إنجيل يصدّها أيضاً ((وَهُدًى ))، أي أنّ الإنجيل كتاب هداية وإرشاد ((وَمَوْعِظَةً ))، أي واعظاً ((لِّلْمُتَّقِينَ)) الذين يتّقون الآثام، فهو يحذّرهم عن العقاب ويرشدهم ويحرّضهم إلى الثواب، وقد كرّر التصديق والهداية تأكيداً وتركيزاً .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 47 | ((وَلْيَحْكُمْ ))، أي يجب أن يحكم ((أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ )) من الأحكام والدلالات التي منها التبشير بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ووجوب إتّباعه ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ))، أي الديانات كلها من عند الله وأنّ الأنبياء كلهم سفراءاً له وحده وأنّ الكتب كلها مُنزّلة من عند الله فمن الضروري أن يحكم الأنبياء بالكتب المنزلة ويتّبع الأنبياء، والكتب أما ما حُرّف منها فليس من الله كما أنّ ما نُسخ منها فاللازم تركه لاتّباع الناسخ عوضه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 48 | ولما أتمّ الكلام حول التوراة والإنجيل -وهما الكتابان المتداولان في أيدي الناس- ذَكَرَ سبحانه القرآن الحكيم ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ )) يارسول الله ((الْكِتَابَ ))، أي القرآن الحكيم ((بِالْحَقِّ)) كتاباً بالحق لأنه ليس فيه باطل، أو إنزالاً بالحق حيث كان المنزِل والمنزَل عليه لهما ذلك، فالمنزِل إله يحقّ له التنزيل والتشريع، والمنزَل إليه رسول يحقّ له الأخذ والقبول ((مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ )) اللام للجنس، أي أنّ القرآن يصدّق ما سبقه من كتب الأنبياء ((وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ))، أي أنّ القرآن مهيمن على الكتاب المتقدّم، ومعنى الهيمنة السيطرة فإنّ القرآن الحكيم كشاهد مسيطر يدل على مواقع الخطأ والصواب من الكتب السابقة كلّما حرّفوه دلّ عليه وكلّما زادوا أو نقصوا منهما أشار إليه وذلك لأنّ القرآن يبيّن كلّيات العقائد وأصول العبادة والمعاملة والأخلاق وفي الكتب السابقة مواقع كثيرة قد زاغت عن الحق بأيادي أثيمة يدلّ عليها القرآن ويشير إليها ((فَاحْكُم )) يارسول الله ((بَيْنَهُم ))، أي بين أهل الكتب السالفة أو بين اليهود ((بِمَا أَنزَلَ اللّهُ )) من الأحكام ومنها في رجم زنا المُحصن وقتل القاتل ((وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ ))، أي ما يشتهون من خلاف حُكم الله، فقد أحبّوا أن يحكم الرسول بخلاف الحق فيُفتي بجلد المُحصن الزاني وديّة القاتل ((عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ ))، أي لا تزغ عما جاءك فإنّ معنى إتّباع أهوائهم : الزيغ عن الحق، وكثيراً ما يُشَرّب فعل معنى فعل فيتعدّى الفعل الأول بما يتعدّى به الفعل الثاني، كما ذكره المغني، ولما كان المقام يوهم إتحاد الديانات من جميع الحيثيات حيث أنّ الآيات السابقة أفادت تصديق كل نبي وكتاب لما سبقه فأيّة حاجة إذاً لإيمان اليهود والنصارى بالنبي والقرآن تعرّض السياق إلى إختلاف الشرائع والمناهج في الخصوصيات والمزايا وإن إتّحدت الجميع في الأصول والجوهر ((لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ ))، أي لكل أمة منكم أيها اليهود والنصارى والمسلمون جعلنا ((شِرْعَةً ))، أي طريقة ((وَمِنْهَاجًا )) الشِرعة أول الطريق، والمنهاج الطريق المستقيم الذي يلزمه الإنسان في حياته ليسير عليه، وكان وجه تقديم (جعلنا) على (منكم) أنّ المقام مقام الجعل لا مقام ذِكر الأمم، وقد تقرّر في علم البلاغة أنّ المقدّم من الألفاظ هو الذي سيق له الكلام، يُقال : زيد جاء، إذا كان المقام مقام ذِكر زيد وأعماله، ويُقال : جاء زيد، إذا كان المقام ذكر الجائين ((وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ )) أيها الأمم الثلاث ((أُمَّةً وَاحِدَةً)) بأن لا ينزل عليكم إلا كتاباً واحداً ولا يرسل إلا رسولاً واحداً ((وَلَكِن )) جعلكم على شرائع مختلفة ((لِّيَبْلُوَكُمْ ))، أي يمتحنكم ((فِي مَآ آتَاكُم ))، أي فيما فرضه عليكم وأعطاكم وشرع لكم حتى يتبيّن من يقبل الرسول اللاحق ومن لا يقبل ومن يعمل بأوامره تماماً ومن لا يعمل ((فَاسْتَبِقُوا )) أيتها الأمم ((الخَيْرَاتِ ))، أي يبادر بعضكم بعضاً في تحصيل الخيرات والعمل بما أمر الله ((إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ )) ومصيركم ((جَمِيعًا )) أيتها الأمم، وإنما سمّي مرجعاً تشبيهاً للمعقول بالمحسوس، وإلا فلا مكان لله سبحانه حتى يكون مبدءاً ومرجعاً ((فَيُنَبِّئُكُم ))، أي يخبركم ((بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) من أمور دينكم، وفي الإجمال ما لا يخفى من التهويل كما يقول الملك لرعيته : أعلّمك بما صنعت ثم يجازيكم حسب أعمالكم وعقائدكم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 49 | ثم كرّر سبحانه وجوب الحكم بين اليهود بما أنزل الله وقد كرّر ذلك لأنهم حكّموهو (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في قصتين : قصة الزنا وقصة القتل ((وَأَنِ احْكُم )) عطف على قوله في الآية السابقة (فاحكم) أو عطف على (الكتاب)، أي أنزلنا إليك الكتاب وأنزلنا إليك أن أُحكم ((بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ )) وما يشتهون من خلاف حُكم الله ((وَاحْذَرْهُمْ )) يارسول الله، أي إحذر اليهود ((أَن يَفْتِنُوكَ ))، أي يضلّوك ((عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ )) بأن تُفتي بغير ما أنزل الله، فقد ورد أنّ اليهود عرضوا على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يؤمنوا له إذا تصالح منهم على التسامح في أحكام خاصة منها حُكم الرجم في الزاني المُحصن، وهذا التحذير للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليس معناه أنه كان يعمل على الخلاف وإنما هو لبيان الحكم، كما يخاطب بقوله تعالى (أقِم الصلاة) ونحوه ((فَإِن تَوَلَّوْاْ ))، أي أعرضوا عن الحق ولم يقبلوا قولك وحكمك ((فَاعْلَمْ )) يارسول الله ((أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ )) فإنّ التمرّد على الله ورسوله يوجب نكال الله سبحانه، فإنّ تمردهم عن حكمك موجب لأن يسخط الله عليهم فيأخذهم ببعض ما سلف من ذنوبهم، أو إنّ نفس التمرد نكال سبّبه بعض ذنوبهم السابقة، روي أنّ رجلاً قال للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : أنّي حُرمتُ صلاة الليل ، قال الإمام : "قيّدتكَ ذنوبك" ((وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ))، أي الخارجون عن طاعة الله، وهذا تسلية للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن لا يغتم لعدم نفوذ حكمه .
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:01 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 50
| ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ )) إستفهام إنكاري، أي هل يبغى هؤلاء اليهود حُكم الجاهلية والمراد بها جاهلية البشر التي لا يرجع حكمهم فيها إلى قانون ثابت بل تحكم الأهواء والقبليات والعصبيات وما أشبه فكل من يبتغي حكماً غير حكم الله فإنه يبتغي حكم الجاهلية حتى إذا كان الحاكم أكثرية برلمانية ((وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا ))، أي ليس هناك حُكم أحسن من حكم الله ((لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) بالله واليوم الآخر، فإنهم يعلمون أنّ حُكم الله أحسن الأحكام لأنه خالٍ عن جميع الإنحرافات التي تصيب حُكم البشر .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 51 | وبعدما بيّن سبحانه إنحراف اليهود وضلالهم ذَكَرَ سبحانه هنا عدم جواز إتخاذهم أو النصارى أولياء في سبب النزول أنه لما كانت وقعة أُحُد إشتدّ الأمر على طائفة من الناس فقال رجل من المسلمين : أنا ألحق أنا ألحق بفلان اليهودي وآخذ منه أماناً، وقال آخر : أنا ألحق بفلان النصراني فآخذ منه أماناً فنزلت الآية ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء)) فلا تصادقوهم مصادقة الولي لوليّه والحميم لحميمه ((بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ )) فإنّ بعضهم ينصر بعضاً ويعينه عليكم ، وقد ظهر إنطباق كلامه سبحانه على الخارج طيلة أربعة عشر قرناً فإنّ اليهود والنصارى لم يزالا ينصر أحدهما الآخر على المسلمين على ما بينهما من العداء والبغضاء ((وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ ))، أي يصادقهم وينتصر بهم ويجعلهم أولياء له من المسلمين ((فَإِنَّهُ مِنْهُمْ )) كافر عملاً، من أهل النار، خطر على المسلمين ، وقد شاهدنا ذلك في هذا القرن الأخير حيث أنّ المسلمين الذين تولّوا الكفار كانوا من أخطر الناس على الملسمين، وكانوا في زمرة الكفار ينصرونهم وينتصرون بهم ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) الذين يظلمون أنفسهم بعدما علموا وعرفوا فإنه سبحانه لا يلطف بهم ألطافه الخفيّة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 52 | وبعد هذا القرار الجازم الذي دلّ عليه منطق التاريخ السابق على الإسلام حيث أنّ كل موالٍ لابد وأن يكون هواه مع موالاته لا مع مجتمعه والذي نُهي عنه صريحاً ((فَتَرَى )) يارسول الله ((الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ))، أي شك ونفاق، وقد قال إبن عناس : أنّ المراد بذلك عبد الله إبن أُبَيْ ، أنّ عبادة بن الصامت الخزرجي أتى إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : يارسول الله إنّ لي أولياء من اليهود كثيراً عددهم قوية أنفسهم شديدة شوكتهم وأنا أبرء إلى الله ورسوله من ولايتهم ولا مولى لي إلا الله ورسوله، فقال عبد الله بن أُبَيْ : لكن لا أبرء من ولاية اليهود لأني أخاف الدوائر ولابد لي منهم، ثم أنه شبّه النفاق بالمرض لأنّ كليهما موجب لانحراف الإنسان، فالمرض يوجب إنحراف مزاجه، والنفاق يوجب إنحراف سلوكه المبعوث من إنحراف روحه ((يُسَارِعُونَ فِيهِمْ ))، أي في تولّي أهل الكتاب واتخاذهم أولياء، ولعلّ الإتيان بلفظة (يسارعون) لإفادة أنهم يتولونهم بغير ما ظهر من علائم الإحتياج فإنهم يحتاطون باتخاذهم أولياء لئلا يأتي يوم يحتاجون إليهم وذلك أسوأ حالاً ممن يواليهم إذا ظهرت علامة هزيمة في المسلمين ((يَقُولُونَ ))، أي قائلين لتبرير موقفهم ((نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ ))، أي دوران الفلك الموجب لتعلية الكفار على المسلمين فإنّا نتّخذهم من الآن أولياء لنكون في أمان إذا دارت الدائرة ((فَعَسَى اللّهُ ))، أي لعلّ الله ((أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ )) للمسلمين بأن يفتحوا بلاد الكفار ويكون الغلب لهم على الكفار ((أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ )) غير الفتح من إعزاز المسلمين وتكثير عددهم وجلاء الكفار ((فَيُصْبِحُواْ ))، أي يصبح هؤلاء المنافقون الذين والوا الكفار خوف عزّة الكفار ودوران الدائرة على المسلمين ((عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ )) من موالاة اليهود تمنّي الغلبة لهم، ولعلّ ذِكر (أسرّوا) مع أنهم أعلنوا من ولائهم خوف الدائرة لإفادة أنهم كانوا أسرّوا أشياء كثيرة في أنفسهم كما هو شأن النفاق والمنافق ((نَادِمِينَ)) وليس ندمهم من جهة الحق بل من جهة أنهم خسروا الطرفين المسلمين لأنهم عرفوا نفاقهم والكفار لأنهم هُزموا ورُدّوا .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 53 | ((وَ)) إذ قسم الله الفتح للمؤمنين أو أتاهم بأمر من عنده ((يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ )) إيماناً صادقاً يقولون متعجبين عن نفاق المنافقين واجترائهم على الله بالأيمان الكاذبة ((أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ ))، أي هل هؤلاء المنافقون الذين إنكشفت حقائقهم هم الذين حلفوا بالله ((جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ))، أي جهدوا جهد أيمانهم، بمعنى حلفوا بأغلظ الأيمان ((إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ))، أي مع المؤمنين في صدق الإيمان والمناصرة، كيف حلفوا بتلك الأيمان المغلظة، وقد ظهر نفاقهم خلال المعركة الحاسمة الموجبة لترجيح كفة المسلمين، فإنّ النفاق لا يظهر جيداً إلا في المعارك والمجازف، وهناك حيث عرف المسلمون حقيقتهم تعجّبوا من إيمانهم المزيّف وأيمانهم الغليظة الكاذبة التي بها أرادوا دعم أيمانهم وإدخال أنفسهم في زمرة المؤمنين ((حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ )) جملة مستأنفة، أي إنّ المنافقين ضاعت أعمالهم الإيمانية بسبب النفاق أو أنهم ضاعت مساعيهم في مصانعة الطرفين بسبب إنهزام الكفار فلا ظهر لهم وكشف باطنهم على المسلمين فيتجنّبون عنهم ((فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ)) دنيا وآخرة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 54 | ثم بعدما بيّن مضرّة النفاق توجّه السياق إلى المؤمنين مبيّناً لهم أنهم إن إرتدّوا فلا يظنوا أنّ ذلك يضر دين الله سبحانه فقد وكّل الله بدينه -في كل دور- أناساً يقومون بشرائط الإيمان، فالمرتد إنما يضر نفسه لا أنه يضر دين الله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ)) إرتداداً إلى الكفر أو إلى النفاق، فإنّ إنقلاب الباطن عن الإسلام هو نوع من الإرتداد أيضاً ((فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )) فهو ذو صلة بهم وهم ذووا صلة به سبحانه، ولعلّ الإتيان بكلمة (سوف) لئلا يظنون أنّ في تأخير الأمر إنقطاعاً وإنفصاماً للإيمان، بل قد يتأخر مجيء الصلحاء بعد إرتداد قسم من الناس عن الإيمان ((أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )) أذلّة من الذِل بكسر الذال ضد الصعوبة، وقد يكون من الذُل بضم الذال ضد العزّة ((أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ))، أي يكونون ليّنين على المؤمنين غلاظ شداد على الكافرين، وإنما كان ذلك مدحاً لأنّ اللين مع الكافر موجب لبقاء الكفر، بخلاف إظهار الشدة الذي يوجب جمع الكفر على نفسه وإنكماشه وعدم تعدّيه إلى المؤمنين الضعاف كما قال سبحانه في آية أخرى (أشداء على الكفار رُحماء بينهم) ((يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ )) لإعلاء كلمته ((وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ )) فإنّ الجهاد يلازم لوم اللائمين من المؤمنين ومن الكافرين، أما الثاني فواضح وأما الأول فلأنّ الآراء غالباً تختلف وذلك بسبب لوم بعضهم لبعض كما هو المشاهد المحسوس، وكثير من الناس يمنعهم عن الجهاد والإقدام لوم اللائمين لا صعوبة الجهاد، وقد نزلت هذه الآية في علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه الأكرمين وإن كانت عامة وإن كانت عامة بحسب اللفظ كما هو شأن آيات القرآن غالباً، ولعلّ وجه قوله (يأتي) مع أنّ الإمام (عليه السلام) كان حاضراً وقت النزول إعتبار الوصف، أي قوله (يجاهدون)، تقول : سوف آتي بشخص يفعل كذا، تريدان الفعل (سوف) لا أنّ الشخص (سوف) ((ذَلِكَ )) المذكور في أوصاف القوم من محبة الله لهم ومحبتهم لله ولينهم للمؤمنين وصعوبتهم على الكافرين وجهادهم بدون خوف اللوم ((فَضْلُ اللّهِ )) حيث تفضّل عليهم بهذه الصفات وهداهم إلى الحق ((يُؤْتِيهِ ))، أي يُعطي هذا الفضل ((مَن يَشَاء )) ممن كان قابلاً وأهلاً ((وَاللّهُ وَاسِعٌ )) فضله فلا يخاف نفاده إن أعطى أحداً ((عَلِيمٌ)) بموضع فضله وجوده .
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:02 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 55
| ولما ذكر سبحانه أنه لا يجوز أن يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء بيّن ولي المؤمنين وإنّ اللازم أن يتّخذوا الله ورسوله ومن نصبه وليّاً، وقد أجمع المفسّرون بأنّ هذه الآية نزلت في علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد يُقال أنّ الأئمة الأحد عشر (عليهم السلام) ليسوا بمشمولين للآية، والآية حاصرة حيث قالت (إنما) والجواب من وجهين : الأول : إنّ الآية حصرت الأمر في وقت النزول وكانت ولايتهم (عليهم السلام) بعد ذلك، والثاني : وهو الأصح أنّ ولاية الأئمة من ولاية علي (عليه السلام) كما لو قال : والي بلدكم فلان، فإنّ من عيّنه الوالي للأمور كان إمتداداً لولاية فلان ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ )) إنّ له الولاية المطلقة والسلطنة الكاملة من جميع الجهات عليكم ((وَرَسُولُهُ )) محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ )) المتّصفون بكونهم ((الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ))، أي الصدقة ((وَهُمْ رَاكِعُونَ)) وقد روت العامة والخاصة أنّ هذه الآية نزلت في علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لما تصدّق بخاتمه وهو في الركوع، وفي بعض الأخبار أنه كان تصدّق قبل ذلك أيضاً في صلاة أخرى بحملة قيمتها ألف دينار أرسلها النجاشي إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأهداها إلى علي (عليه السلام) .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 56 | ثم ذكر سبحانه أنّ في تولّي هؤلاء النجاح والغلبة فمن ظنّ أنّ في تولّي غيرهم النجاح فقد إشتبه ودلّ التاريخ أنه كلما إلتزم المسلمون بهؤلاء نجحوا وتقدّموا وكلما تولّوا غيرهم خسروا وتأخّروا ((وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ ))، أي يتّخذه سبحانه وليّاً يأتمر بأوامره وينتهي عن زواجره ((وَرَسُولَهُ)) يقتدي به في أعماله وأقواله ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ )) علي والأئمة (عليهم السلام) -حسب النزول- أو كل مؤمن حسب العموم في مقابل إتخاذ الكفار أولياء ((فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ )) جنده وجماعته ((هُمُ الْغَالِبُونَ)) على من سواهم من الأحزاب والجنود، وفي قطع قوله (فإنّ حزب الله) عن الجملة السابقة، إذ لم يقل فإنهم الغالبون، إفادة أنّ المتولّي يُعد من حزب الله وجماعته، فليس الأمر من ناحية العبد فقط، بل من ناحية الله أيضاً .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 57 | قد نُهي المسلمون عن إتخاذ اليهود والنصارى أولياء، ثم الآن يأتي السياق لينهي عن إتخاذ أي كافر أو كتابي -ولو لم يكن يهودياً أو نصرانياً- وليّاً، وقد ورد في سبب النزول أنّ زيد بن التابوت وسويد بن الحرث قد أظهر الإسلام ثم كان رجال من المسلمين يوادّونها فنزلت هذه الآية، ولو كان الأمر كذلك، فالمراد بمن ذُكر في الآية أعم من المنافق ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا ))، أي مسخرة وملعبة، وذلك بأن أظهروا الإسلام باللسان وأبطنوا الكفر بالجنان، أو المراد جعله سخرية ولعب يستهزؤون به ((مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ ))، أي أنزل عليهم الكتاب ((مِن قَبْلِكُمْ )) وهم أهل الأديان السابقة على الإسلام ((وَ)) من ((الْكُفَّارَ )) المراد بهم الأعم من المنافقين -كما سبق- ولا يخفى أنّ الكفار أعم من أهل الكتاب لكن إذا ذُكروا في كلام كان المراد بالكفار غيرهم ((أَوْلِيَاء )) تقولونهم كاتخاذ المؤمنين لله ورسوله أولياء ((وَاتَّقُواْ اللّهَ )) فلا تخالفوه ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) به وبما أمر به .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 58 | ((وَإِذَا نَادَيْتُمْ )) أيها المؤمنون ((إِلَى الصَّلاَةِ ))، أي دعوتم إليها ((اتَّخَذُوهَا ))، أي إتّخذوا الصلاة ((هُزُوًا وَلَعِبًا )) مهزلة وملعبة فيتضاحكون ويتغامزون منها -كما هي عادة منافقي اليوم أيضاً- ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ))، أي ذلك الإستهزاء بالصلاة بسبب أنّ الكفار ((قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ)) منافع الصلاة وأنها موجبة للنجاة من النار .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 59 | وجاء قوم من اليهود يسألون الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عمن يؤمن به من الرسل فقال : "أؤمن بالله وما أُنزل إلى غبراهيم وإسماعيل وإسحاق -إلى أن ذَكَرَ- عيسى (عليه السلام)" فلما سمعوا ذلم منه جحدوا نبوّته وقالوا : ما نعلم أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم ولا ديناً شراً من دينكم، فنزلت ((قُلْ )) يارسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأهل الكتاب ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا ))، أي تسخطون علينا ((إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ )) إيماناً لا يشوبه كفر - كإيمانكم- ((وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا )) يعني القرآن الحكيم ((وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ )) على جميع الأنبياء ((وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ)) فإنّ فسقكم، أي خروجكم عن دين الله هو الذي سبّب النقمة علينا، وهذا كقولهم : هل تنقم منّي إلا أنّي عفيف وأنك فاجر، أو إلا أني كريم وأنت بخيل، فهو من باب الإزدواج يُحسن في الكلام لتعميم المقابلة فهو عطف على قوله (أن آمنّا) .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 60 | ((قُلْ )) يارسول الله لهؤلاء المستهزئين ((هَلْ أُنَبِّئُكُم ))، أي أُخبركم ((بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ ))، أي إن كان إيماننا شراً عندكم فأنا أخبركم بشَرٍّ من ذلك ((مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ ))، أي جزاءاً من عنده سبحانه، وسمّي (مثوبة) إستهزاءاً منهم، وإنما سمّي ما عند المؤمنين شراً -وإن لم يكن ما للمؤمنين إلا الخير- للمقابلة في الكلام ((مَن لَّعَنَهُ اللّهُ ))، أي طرده عن رحمته، فلعنة الله لكم من شر إيماننا نحن ((وَغَضِبَ عَلَيْهِ )) بسبب عصيانه وتمرده عن الحق ((وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ)) جمع قرد، كما قال سبحانه (قُلنا لهم كونوا قِرَدةً خاسئين) ((وَالْخَنَازِيرَ )) بأن مسخهم على صور هذين الحيوانين النجسين ((وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ )) عطف على قوله (لعنة الله) والطاغوت هو العِجل الذي عبدوه ((أُوْلَئِكَ )) اليهود الذين هذه صفاتهم ((شَرٌّ مَّكَاناً ))، أي إنّ مكانهم في سَقَر الذي هو شرٌّ من مكان المؤمنين الذين نقموا منهم، وقد ذكرنا أنّ من قبيل هذا الكلام من باب المشاكلة اللفظية، وإلا فليس في مكان المؤمنين شراً ((وَأَضَلُّ ))، أي أكثر ضلالاً ((عَن سَوَاء السَّبِيلِ))، أي وسط الطريق .
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:03 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 61
| وحيث إبتدء الكلام بعرض المنافق وأهل الكتاب في صف واحد، ذَكَرَ سبحانه صفة من صفات المنافقين وأنهم كيف لا يؤثّر فيهم الوعظ والإرشاد ((وَإِذَا جَآؤُوكُمْ ))، أي جائكم المنافقون ((قَالُوَاْ آمَنَّا )) إيماناً كإيمانكم ((وَ)) لكنهم في دعواهم ذلك كاذبون إذ ((قَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ ))، أي بالكفر، كان الكفر مادة يحملونها معهم، فهم قد دخلوا بهذه المادة حينما دخلوا في المجلس، ثم خرجوا بهذه المادة كما دخلوا، لم تؤثّر فيهم الموعظة والبلاغ، حيث كانت قلوبهم إلى إخوانهم الكافرين لا معكم حتى تؤثّر فيهم الموعظة ((وَاللّهُ أَعْلَمُ )) منكم ((بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ))، أي يُخفون من الكفر والنفاق .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 62 | ثم أنّ هؤلاء الكفار يجمعون مع كفرهم صفات أخرى ذميمة هي من مستلزمات الإنحراف أشار إليها بقوله تعالى ((وَتَرَى )) يارسول الله ((كَثِيرًا مِّنْهُمْ ))، أي من هؤلاء الكفار وهم الرؤساء وذووا الجاه والمنصب ((يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) فيُسابق بعضهم بعضاً في فعل الإثم والتعدّي على الناس أنهم حيث لم يؤمنوا بالله وكانت ديانتهم -المزعومة- صورية يكون فكرهم إصطياد أكثر كمية من المال والجاه ولذا يتسابق بعضهم بعضاً في ذلك، إنّ الإثم لا أهمية له في نظرهم إذ لم يعمر قلوبهم الإيمان والتعدّي من شأن من يريد تعمير دنياه ((وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ)) كلّ مال حرام من رشوة وربا وأكل أموال اليتامى وأكل أموال الناس بالباطل ((لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) فإنّ أعمالهم توجب خِزي الدنيا والآخرة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 63 | وهنا يتوجه السياق إلى العلماء والمتدينون منهم كيف يسكتون على هذه المنكرات البشعة التي ظهرت في اليهود، وما شأنهم إذا سكتوا عن كل تلكم الجرائم ((لَوْلاَ )) كلمة تحضيض بمعنى هلّا، أي : لماذا لا ((يَنْهَاهُمُ ))، أي ينهي هؤلاء الكثير الذين يسارعون في الإثم والعدوان ((الرَّبَّانِيُّونَ )) جمع ربّاني وهو منسوب إلى الرب على غير القياس، أي الإلهيّون الذين يتورّعون من خوف الله سبحانه ((وَالأَحْبَارُ )) جمع حبر بالكسر والفتح وهو العالم ((عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ )) وهو ما يقوله الإنسان بغير حق من كذب وغيبة ونميمة وتحريف وغيرها ((وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ )) من الربا والرشوة وغيرها، والسُحت هو أشدّ أنواع الحرام ((لَبِئْسَ مَا كَانُواْ ))، أي كان هؤلاء الربّانيّون والأحبار ((يَصْنَعُونَ)) فإنّ سكوتهم عن الباطل ومجاملتهم لأهله نوع من الصنع .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 64 | ثم بيّن مثل سبحانه لقولهم (الإثم) مثلاً بقوله ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ )) لا يُنفق رزقاً ولا يُعطي شيئاً كأنهم قالوا ذلك تبريراً لموقفهم البخلي، فإنّ الله لو كان لا يُنفق فأجدر بهم أن لا يُنفقوا، وقيل أنّ سبب نزول هذه الآية أنّ اليهود كانوا من أكثر الناس مالاً وسِعة، فلما جاء الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكذّبوه ضيّق الله عليهم فقال أحد اليهود وهو "فخاض" أنّ يد الله مغلولة فردّ الله عليهم ((غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ )) دعاء عليهم بأن تُغلّ أيديهم عن الخير، أو إخبار عنهم بأنّ اليهود بُخلاء لُئماء، أي أنهم غُلّت أيديهم لا الله سبحانه ((وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ )) لعنهم الله وطردهم عن رحمته بسبب هذه المقالة ((بَلْ يَدَاهُ ))، أي يدا الله سبحانه ((مَبْسُوطَتَانِ )) كناية عن جوده وإعطائه، وإنما جاء بذِكر اليد وذَكَر (يداه) لإفادة تمام معنى الجود ((يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء )) فليس في تضييقه على اليهود دليل على أنه مغلول اليد بل إنما يُنفق سبحانه كيف يشاء حسب الحكمة والمصلحة، ثم ذَكَرَ سبحانه أنّ نزول القرآن وفضحهم يزيد كثيراً من اليهود إنحرافاً ((وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم ))، أي كثيراً من اليهود -وإنما لم يذكر كلهم لأنّ بعضهم لا يعنيه الأمر وبعضهم يسبّب القرآن هدايتهم- ((مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا )) (ما) فاعل (يزيدنّ) و(كثيراً) مفعول مقدّم، أي أنّ طغيانهم وكفرهم يزداد بسبب القرآن، أما أنّ كفرهم يزداد فلأنه كلما أنكروا آية وحُكماً إزدادوا كفراً وستراً للحق، وأما أنّ طغيانهم يزداد فلأنهم يقاومون الدعوة أكثر فأكثر كلما رأوا تقدّمها أكثر ((وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ))، أي بين اليهود ((الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) فإنّ طبيعتهم المتخمّرة بحب الذات وبالإعتقاد بأنهم شعب الله المختار وبُخلهم في الأمور المادية لابد وأن توجد بينهم العداوة والحزازة -ماداموا يهوداً يعتقدون بهذه الإعتقادات السخيفة- فإنّ أسباب النزاع في العالم يدور على المنصب والمادة -غالباً- وهذان كامنان في كل يهودي، وقد دلّ التاريخ على صدق ذلك فاليهود دائماً متحاربون متباغضون حتى في (فلسطين) اليوم تقوم الأحزاب اليهودية والمنظمات بأبشع أنواع العداوة والبغضاء فيما بينها -أنظر كتاب (كُتب في إسرائيل)-، وقد مرّ سابقاً تفسير (إلى يوم القيامة) وأنه كناية عن بقاء الحكم ما دام اليهود موجودين ((كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ ))، أي كلما أرادوا محاربة المسلمين هزمهم الله ونصر المسلمين عليهم، وقد دلّ التاريخ على ذلك، فقد غلب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على يهود قريضة ونضير وخيبر وفدك وغيرها مع كثرة عددها وعُددها، وبعد ذلك لم يتمكن اليهود من محاربة المسلمين حتى في يومهم هذا في فلسطين إنما يسندون إلى (حبلٍ من الناس) ثم ما هي إلا فترة حتى تراها إنقشعت إنقشاع الضباب ((وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا )) فهم مفسِدون دائماً حيث يريدون العلو على الناس وجمع أموالهم، ومن المعلوم أنّ ذلك لا يتهيّأ لهم إلا بالإفساد -أنظر كتاب (بروتوكولات حكماء صهيون)- ((وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ))، أي يكرههم، إذ ملازمة بين عدم حبّه وكراهته، فإنّ كلّ مُصلح محبوب وكل مُفسِد مكروه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 65 | ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ )) إيماناً بما أنزل الله وتقوى من معاصي الله ((لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ))، أي سترنا سيئاتهم الماضية لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله ((وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ))، أي التي فيها أنواع النِعَم والكرامة .
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:03 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 66
| ((وَلَوْ أَنَّهُمْ ))، أي أهل الكتاب ((أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ))، أي عملوا بما فيها بدون تحريف وزيادة ونقيصة ((وَ)) أقاموا ((مَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ ))، أي القرآن، وكونه مُنزَلاً إليهم باعتبار نزول بين أوساطهم وفي زمانهم ((لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ ))، أي السماء، فإنه سبحانه يُنزِل السماء مدراراً لمن آمن واتّقى ((وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم )) باعطاء الأرض خيرها وبركتها، كما قال سبحانه (ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) ((مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ))، أي من هؤلاء الكتاب جماعة معتدلون في العمل لا غلو عندهم ولا تقصير، كما نجد أنّ كلّ أمة بعضهم معتدلون وبعضهم متطرفون، أو المراد بهم الذين آمنوا بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإطلاق (منهم) على أولئك باعتبار الماضي (( وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ))، أي أنّ أكثرهم متطرفون يعملون الأعمال السيئة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 67 | ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ )) هذه الآية نزلت بمناسبة إستخلاف الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) علياً خليفة من بعده -كما أجمع عليه المفسرون- وقد كان الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخشى المنافقين من ذلك فبيّن سبحانه عظم الأمر بقوله ((وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ ))، أي لم تبلّغ خلافة علي (عليه السلام) ((فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ )) حتى أنّ كل الرسالة رهن هذا التبليغ، وذلك واضح إذ عدم الإستخلاف معناه ذهاب جميع الأتعاب سُدى، وقد أمّنه الله سبحانه مما كان يخشى منه فقال ((وَاللّهُ يَعْصِمُكَ ))، أي يحفظك ((مِنَ النَّاسِ )) فلا يتمكنون من الفتنة والإنقلاب والإيذاء مما كان يخشاه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وحين ذاك وعند منصرف الرسول من حُجّة الوداع في وسط الصحراء أمَرَ بنصب منبر له وخطب خطبة طويلة بليغة، ثم أخذ بكف علي (عليه السلام) وقال : "مَن كُنتُ مولاه فهذا علي مولاه اللهمّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه وانصر مَن نصره واخذل مَن خذله ..(إلخ)" وأنشد حسّان : يناديهم يوم الغدير نبيّهم بخُمٍّ وأسمِع بالرسول مناديا (الأبيات)
((إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) الذين يكفرون ببلاغك، ومعنى (لا يهديهم) أنه لا يلطف بهم اللُطف الزائد بعدما أعرضوا عن الحق عناداً واستكءاراً، ولعلّ الإرتباط بين الآية وطرفيها أنه كما أنّ الناس مأمورون بالقبول الرسول مأمور بالبلاغ، مع تلطيف جو الكلام، بتغيير الإسلوب في وسط المطلب، تفنّناً في البلاغ وتنشيطاً للأذهان كما تقدّم في آيات أُخر متشابهة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 68 | ((قُلْ )) يارسول الله لأهل الكتاب ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ )) من الدين الصحيح الذي إرتضاه الله لعباده ((حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ )) بالعمل بما فيها بدون تحريف أو تحوير ((وَ)) تقيموا ((مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ )) يعني القرآن، وقد سبق وجه قوله (أنزل إليكم) وأنه لجهة نزول القرآن في أوساطهم ((وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا )) فعوض أن يهتدوا بالقرآن يزيدهم طغياناً حيث كلما رأوا القرآن تصمّموا على مقابلته وكفروا بكل ما ينزل منه، ولا يخفى أنّ نسبة الزيادة إلى القرآن مجاز وإلا فهوى نفسهم هو الذي يزيدهم كفراً ((فَلاَ تَأْسَ ))، أي فلا تحزن يارسول الله ((عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)) الذين كفروا بعدما علموا الحق وأعرضوا عن الهدى بعد أن رأوه وعرفوه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 69 | وحيث تقدّم أنّ الله لا يهدي القوم الكافرين مما كان يوهم أنّ الكفار غير قابلين للهداية، ذَكَرَ سبحانه أنهم إن آمنوا -الملازم لإمكان الإيمان منهم- كان لهم ما لغيرهم من المؤمنين من الأجر والمثوبة ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ )) إيماناً ظاهراً بالشهادتين ((وَالَّذِينَ هَادُواْ ))، أي اليهود ((وَالصَّابِؤُونَ )) وهم قسم من المسيحيّين أو غيرهم -كما تقدّم في سورة البقرة- ورفع (الصابئون) مع أنه عطف على المنصوب بـ (إنّ) للإلفات إلى أنّ الصابئ الذي لا يُرجى فيه خير إن آمن قُبِل فكيف بغيره، فهو معطوف على محل إسم (إن) حيث كان مبتدءاً قبل دخول الناسخ ((وَالنَّصَارَى )) ليس إعتبار بأساميهم وصبغتهم العامة في النجاة والثواب بل ((مَنْ آمَنَ)) منهم ((بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ )) إيماناً حقيقياً من القلب لا يشوبه شرك ونحوه ((وعَمِلَ صَالِحًا ))، أي عمل عملاً صالحاً ((فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) لا في الدنيا ولا في الآخرة، أما في الآخرة فواضح، وأما في الدنيا فلأنّ الخوف الحقيقي والحزن الواقعي هو الذي لا يُرجى دفعه وتداركه، بينما خوف هؤلاء وحزنهم ليس كذلك فإنّ خوف المؤمن ليس كخوف الكافر وكذلك بالنسبة إلى الحزن .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 70 | إنّ اليهود لم يكن لهم إيمان صادق من يومهم الأول، فكيف تأسَ عليهم يارسول الله إن لم يؤمنوا بك فـ ((لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ )) عهدهم الأكيد حول الإيمان بالله وأنبيائه وإتّباع أوامره ((وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً )) يهدوهم إلى الحق لكنهم نقضوا وخالفوا الأوامر وتجرّأوا على أبشع جريمة فـ ((كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ )) ولا تميل إلى ما جاء به بأن لم يكن يوافق مرادهم ((فَرِيقًا )) من الرُسُل ((كَذَّبُواْ )) كالمسيح (عليه السلام) حيث نسبوهم إلى الكذب وأنهم ليسوا من قِبَل الله سبحانه ((وَفَرِيقًا )) من الرسول ((يَقْتُلُونَ)) كزكريا (عليه السلام) .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 71 | ((وَحَسِبُواْ ))، أي ظنّ هؤلاء اليهود الذين كذّبوا الأنبياء وقتلوهم ((أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ ))، أي لا يسبّب قتل الأنبياء وتكذيبهم فتنة كما هو شأن كل من يُقدم على جُرم كبير أنه يظن أنّ الأوضاع تبقى على ما يشتهي منتهى الأمر صدّ عن بعض شهواته يُزال ويُمحى عن الوجود مع أنّ الأمر بالعكس، فإنّ بقاء الإجتماع سليماً عن الأخطار والآفات إنما هو بانتهاج تعاليم الأنبياء' فإذا أُزيح النبي عن القيادة والتوجيه إما بقتله أو تكذيبه فإنه يحلّ بالمجتمع أشد الكوارث وتقع أعظم الفتن ((فَعَمُواْ وَصَمُّواْ )) عن مناهج الرُشد بقتلهم الأنبياء وتكذيبهم فإنّ الإنسان يبصر طريقه ويسمع الحق الذي ينفعه ما دام هناك نور يُضيء ومرشد يدعوا، أما إذا أزال النور وأزاح المرشد فإنه يعمى عن طريقه حتى يقع في المهلك، ويصم عن الحق حتى تحل به الكوارث ((ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ )) بإرسال أنبياء آخرين، والمراد التوبة على هذا الجنس لا خصوص من قتل منهم الأنبياء ((ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ )) أيضاً عن الحق بأن تركوا تعليم الأنبياء وأخذوا يتيهون في الضلالة ((كَثِيرٌ مِّنْهُمْ )) إذ بعضهم آمن واهتدى، ولفظة (كثير) بدل (بعض) عن كل لا فاعل ثانِ ((وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)) فيجازيهم على ما اقترفوا من الآثام واحتقبوا من الإجرام .
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:04 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 72
| هكذا كان حال اليهود حيث كفروا بعد أن أرشدهم الله الطريق، أما النصارى فإنهم كإخوانهم اليهود في العمى عن الحق بعد الرشاد ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)) وهؤلاء قالوا إنّ الله إتّحد بالمسيح فصار شيئاً واحداً، ولا يخفى أنّ الإتحاد غير معقول إذ لو بقي الشيئان إثنين بعد الإتحاد لم يكن إتحاد وإن عدم أحدهما كان واحداً وإن عدم الإثنان لم يكن شيء، ثم أنهم قالوا بأنّ المسيح هو الله بينما المسيح نفسه إعترف بأنه عبد الله ((وَ)) الحال أنه ((قَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ )) وحده ((رَبِّي وَرَبَّكُمْ )) فإنّا جميعاً عبيده ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ )) ويجعل له شريكاً سواء إعترف به وبالشريك أم إتخذ إلهاً غيره فإنه أيضاً من جعل الشريك لله ((فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ )) فلا بدخله فيها أبداً ((وَمَأْوَاهُ ))، أي مصيره ((النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ )) الذين ظلموا أنفسهم بالشرك ((مِنْ أَنصَارٍ)) ينصرونهم من بأس الله وعذابه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 73 | وهناك قسم آخر من النصارى جعلوا الآلهة ثلاثة ((لَّقَدْ كَفَرَ )) النصارى ((الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ))، أي أحد الآلهة الثلاثة وهم الأب -أي الله- والإبن -أي المسيح- وروح القدس، قالوا هذه الثلاثة واحد وذالك الواحد ثلاثة، وحين يطالبون بأنه كيف يمكن ذلك وهو تناقض؟، يقولون : أنه فوق مستوى عقولنا ولا يلزمنا معرفة الكيفية، وهناك سؤال هو أنه ما الفرق بينكم أنتم المسلين حيث بأنّ الله لا يُدرك كنهه وبين الذين قالوا أنّ مشكلة التوحيد والتثليث فوق مستوى عقولنا ؟ والجواب : إنّ الفرق من أوضح الواضحات إذ أولئك يقولون بما لا يمكن ولا يُعقل فإنه لا يمكن أن يكون الواحد ثلاثة والثلاثة واحداً، ونحن نقول بما هو موجود لكنه لا ندرك كنهه، وفرق بين ما لا يُعقل وما لا يُدرك ((وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ ))، أي ليس للكون غير إله واحد هو الله سبحانه ((وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ ))، أي لم يرجع هؤلاء النصارى القائلون بالتثليث ((عَمَّا يَقُولُونَ ))، أي عن مقالتهم وقولهم بالتثليث ((لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) في الدنيا والآخرة، وإنما لم يقل (ليمسّنّهم) لإفادة أنهم بمقالتهم هذه يكونون كفاراً تأكيداً لما سبق من قوله (لقد كفر) وهذا من أساليب البلاغة، يُقال : اترك هذا الأمر وإلا لسجنتُ الفاعل له، عوض أن يقول : لسجنتك، لإفادة أنّ علّة السجن هو الإتيان بذلك العمل .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 74 | ثم استفهم سبحانه إستفهاماً تعجبياً، وقد تقرء في الأصول أنّ أمثال هذه الإستفهامات والتعجّبات إنما هي إنشاء مفهوم الإستفهام والتعجّب وأمثالهما لداعي آخر من ترغيب وإنكار وما أشبه، فليس إستفهامه ولا تعجبه عن جهل وتعجب -كما هو عندنا- ((أَفَلاَ يَتُوبُونَ )) هؤلاء اليهود والمسيحيّون ((إِلَى اللّهِ )) ويرجعون عن عقائدهم السخيفة وأقوالهم المفتعلة ((وَيَسْتَغْفِرُونَهُ)) لما مضى من كفرهم وعصيانهم (( وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) يغفر لهم إن تابوا واستغفروا ويرحمهم بفضله إن رجعوا وأبوا .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 75 | وبعدما ذكر سبحانه أقوال المسيحيّين حول المسيح بيّن تعالى واقع المسيح وأنه ليس كما زعموا ((مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ))، أي ليس المسيح (عليه السلام)، وذكر إبن مريم لنفي كونه إبن الله -في العبادة- ((إِلاَّ رَسُولٌ )) فليس هو بإله ((قَدْ خَلَتْ ))، أي مضت وسبقت ((مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ )) فهو رسول كأحدهم، فكما ليس أولئك بآلهة، ليس هذا بإله ((وَأُمُّهُ )) مريم (عليه السلام) ((صِدِّيقَةٌ )) كانت كثيرة التصديق بالله وآياته، فليست هي آلهة كما زعم جماعة من المسيحيّين فقالوا بالأب والأم والإبن ((كَانَا )) المسيح وأمه ((يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ )) وذلم من صفات المخلوق لا الإله، إذ آكل الطعام محتاج إلى الطعام وله جوف وله أجزاء وله حالات، وكل ذلك ينافي كونه إلهاً ((انظُرْ )) يارسول الله ((كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ)) ونوضّح لهؤلاء النصارى ((الآيَاتِ)) الدالة على عدم كون المسيح إلهاً ((ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ))، أي كيف يُصرفون عن الحق، يُقال : افكه يأفكه إفكاً، إذا صرفه، وأنّى بمعنى أين، أي إنهم أين يُصرفون عن الحق الموضّح بالآيات .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 76 | ((قُلْ )) يارسول الله لهؤلاء النصارى الذين يعبدون المسيح ويجعلونه إلهاً ((أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ ))، أي غير الله ((مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا )) فإنّ شيئاً في الوجود لا يملك ضر أحد ولا نفعه إلا بإذن الله ومن ضرّ أو نفع بالوسائل العادية -كالقاتل والمعطي- أو بالوسائل الغيبية كالأنبياء والأئمة، فإنما ذلك حيث جعل الله المسبّبات تابعة لأسبابها الخاصة وسلّط الفاعل على الأسباب، فهي ترجع أيضاً إليه سبحانه ((وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ )) لأقوالكم ((الْعَلِيمُ)) لضمائركم وحركاتكم فاحذروا مخالفته كي لا تقعوا في عقوبته ونكاله .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 77 | ((قُلْ )) يارسول الله ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ )) أما عام يشمل اليهود والنصارى، فالمراد بغلو اليهود قولهم عُزير إبن الله وقولهم أنّ المسيح ليس نبيّاً فإنه غلو معكوس، أو المراد النصارى فقط ((لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ )) بأن تقولوا المسيح هو الله، أو ثالث ثلاثة، أو أنه إبن الله ((غَيْرَ الْحَقِّ )) عطف بيان، إذ كل غلو هو غير الحق ((وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ )) فإنّ أسلافكم لو ضلّوا في إعتقادهم وغلو فلماذا تتّبعونهم أنتم، إنهم كانوا من قبل وقد مضوا فما بالكم أنتم تقتفون أثرهم الباطل ((وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا )) من الناس فأوقعونهم في ضلال الكفر والشرك ((وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ))، أي الجادة المستقيمة، والتكرار إنما هو لإختلاف المتعلّق، فقد تعدّى أحدهما إلى (مِن قبل) وتعدّى الآخر إلى (عن سواء السبيل)، أو المراد بـ (القوم) كبارهم الذين كانوا قبل النبي قائلين بإلوهيّة عيسى وأدركوا فلم يؤمنوا، فإنهم ضلّوا من قبل بعثة النبي لقولهم التثليث وضلّوا بعد بعثته لكفرهم به (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:05 pm | |
| فسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 78
| ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ )) فاللعنة عليهم من قديم الزمان حيث لم ينفكّوا يعملون القبائح ويكفرون بالأنبياء وينسبون إلى الله ما لا يليق به ((عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ )) النبي (عليه السلام) في الزبور ((وَ)) على لسان ((عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ )) في الإنجيل، فقد لعنهم داود (عليه السلام) لما إعتدوا في السبت فصاروا قِرَدة، ولعنهم عيسى (عليه السلام) لما كفروا بعد فصاروا خنازير ((ذَلِكَ )) اللعن إنما إستحقوه ((بِمَا عَصَوا ))، أي بسبب عصيانهم ((وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ))، أي يتجاوزون حدود الله سبحانه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 79 | ثم بيّن سبحانه بعض عصيانهم وإعتداءهم بقوله ((كَانُواْ ))، أي كان بني إسرائيل ((لاَ يَتَنَاهَوْنَ))، أي لا ينهي بعضهم بعضاً ((عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ )) فقد تفشّت فيهم المنكرات ولم يكن ينهاهم علمائهم فاستحقّ الجميع العقاب أولئك بإتيان المنكر وهؤلاء بسكوتهم عن فاعليه ((لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)) من إتيان المنكر وعدم التناهي عنه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 80 | ((تَرَى )) يارسول الله أنّ تلك الطبيعة العاتية العاصية موجودة فيهم إلى الآن فإنّ ((كَثِيرًا مِّنْهُمْ))، أي من بني إسرائيل -اليهود- ((يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ))، أي يتّخذون الكفار أولياء لهم، فقد كانت اليهود تتولّى كفار مكة وتقول (هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) في حين يجب على المؤمن أن يعادي الكافر الذي لا يعترف بالله وقوانينه ((لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ ))، أي لهؤلاء اليهود ((أَنفُسُهُمْ ))، أي بئس ما قدّموا لمعادهم من الأعمال السيئة ((أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ )) محله رفع بـ (بئس)، فهو كزيد في قولك : بئس رجلاً زيد، أي بئس السخط الذي قدّموه لأنفسهم ((وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ)) فالسخط يؤذي روحهم -كمن يعلم أنّ السلطان غاضب عليه- والنار تُؤذي جسمهم، كما قال سبحانه في عكس (ورضوانٌ من الله أكبر) فإنّ اهل النار يُعذّبون عذابين وأهل الجنة يُنعّمون نعمتين .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 81 | ((وَلَوْ كَانُوا ))، أي هؤلاء اليهود ((يُؤْمِنُونَ بِالله )) إيماناً صادقاً ((وَ)) يؤمنون بـ ((النَّبِيِّ )) محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ )) من القرآن الحكيم ((مَا اتَّخَذُوهُمْ ))، أي لم يتّخذوا الكفار ((أَوْلِيَاء )) لهم، أو المراد أنهم آمنوا بموسى وكتابه إيماناً صادقاً لم يتّخذوا الكفار أولياء، إذ الإيمان بهما يمنع من ولاية الكافرين، فهم كاذبون في دعواهم أنهم مؤمنون بموسى وكتابه ((وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ))خارجون عن طاعة الله ورسوله وكتابه' فإنما يدّعون الإيمان باللسان وقلوبهم خراب من الإيمان .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 82 | ثم ذكر سبحانه فرقاً بين اليهود والنصارى، وأنّ اليهود طبيعتهم العامة العناد والإستكبار والعداوة وأنّ النصارى ليسوا بتلك المثابة، إذ فيهم بعض المنصفين من العلماء، وما أصدق قوله سبحانه، فإنه نرى ذلك إلى اليوم، فقد نجد كثيراً من المسيحيّين يُسلمون ولا نجد إلا الشاذ النادر من اليهود يُسلمون ((لَتَجِدَنَّ )) يارسول الله ((أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ))، أي للمسلمين ((الْيَهُودَ )) فإنهم من أعدى أعداء المسلمين ((وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ))، أي المشركين فإنهم في رديف اليهود -وبعدهم في الرتبة- عداوة للمسلمين ((وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ )) أقرب الناس ((مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ))، أي حباً للمؤمنين ((الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى )) فإنهم وإن كانوا نصارى بصرف اللفظ (قالوا إنّا نصارى) لا إنهم على تعاليم المسيح ودينه حقيقة لكنهم من أقرب الناس للمسلمين ((ذَلِكَ ))، أي سبب كونهم أقرب ((بِأَنَّ مِنْهُمْ ))، أي من النصارى ((قِسِّيسِينَ ))، أي علماء من "القس" بمعنى نشر الحديث ((وَرُهْبَانًا ))، أي الزهّاد أصحاب الصوامع، من "رهب" بمعنى خاف ((وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ)) عن إتباع الحق والإنقياد إليه إذا علموه وبهده الصفة خرج من لم يكن كذلك من النصارى فإنّ القيد يخصص المطلق .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 83 | هذه الآية وطرفاها وردت في قصة النجاشي ملك حبشة، فإنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أرسل جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) مع جماعة من المؤمنين إلى النجاشي فأكرمهم وأعزّ وفادتهم ثم أنه بعث إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثلاثاً من القسّيسين فقال لهم : أنظروا إلى كلامه ومصلّاه، فلما وافوا المدينة دعاهم رسول الله إلى الإسلام وقرء عليهم القرآن (وإذ قال الله ياعيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك-إلى قوله- سحر مبين)، فلما سمعوا ذلك من رسول الله بكوا وآمنوا ورجعوا إلى النجاشي وأخبروه خبر رسول الله وقرئوا عليه ما قُرء عليهم فبكى النجاشي وبكى القسّيسون وأسلم النجاشي ولم يُظهر للحبشة إسلامه وخافهم على نفسه وخرج من بلاد الحبشة يريد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلما عَبَرَ البحر توفي فنزلت هذه الآيات ((وَإِذَا سَمِعُواْ ))، أي هؤلاء النصارى ((مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ )) من القرآن ((تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ))، أي من البكاء ((مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ ))، أي لمعرفتهم أنّ المتلو عليهم حق، فإنّ الإسنان إذا عرف الحق رأى الخارج على خلافه أو رأى إضطهاد أهله بكى رقّة على الحق أو القائم به ((يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا )) بدينك ورسولك ((فَاكْتُبْنَا ))، أي سجّلنا سواء كان كتابة حقيقية أم لا ((مَعَ الشَّاهِدِينَ)) الذين شهدوا بالحق، والمراد بهم المسلمون هنا .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 84 | ((وَمَا لَنَا ))، أي يقول هؤلاء النصارى : لأيّ عذر ؟ ((لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ )) إيماناً حقيقياً كإيمان المسلمين ((وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ )) من القرآن والإسلام ((وَ)) الحال إنّا ((نَطْمَعُ ))، أي نرجو ونأمل ((أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا )) في الجنة ((مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ)) .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 85 | وقد حقق الله لهم الرجاء الذي رجوه ((فَأَثَابَهُمُ اللّهُ ))، أي جازاهم وأعطاهم الثواب ((بِمَا قَالُواْ))، أي بسبب قولهم ذاك المنبثق عن عقيدتهم الراسخة (( جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ))، أي بساتين تجري من تحت أشجارها وقصورها الأنهار ((خَالِدِينَ فِيهَا ))، أي لهم الخلود فلا إنقضاء للنعيم ولا زوال لهم ((وَذَلِكَ )) الثواب ((جَزَاء الْمُحْسِنِينَ)) الذين يُحسنون العقيدة والقول والعمل .
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:05 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 86
| ((وَالَّذِينَ كَفَرُواْ )) كاليهود وسائر المسيحيّين والمشركين ((وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا )) فلم يقبلوها ((أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)) الذين يلازمون النار كما خلد أصحاب الجنة فيها .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 87 | وفي سياق ذكر الرهبان -وهم يحرّمون الطيّبات على أنفسهم- يأتي النهي للمسلمين عن تحريم ما أحلّ الله، كما ينهى عن الإسراف والإعتداء، فإنّ كلا الطرفين منهي عنه مذموم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ ))، أي لا تجعلوها بمنزلة المحرّمات فتجتنبوا عنها إجتنابكم عن المحرّمات، ولفظة (ما) موصولة، أي طيبات الأشياء التي أحلّها الله لكم، ولعلّ الإتيان به لإفادة العموم، إذ لو قال (طيّبات أحلّ الله لكم) كان المتبادر منه طيّبات خاصة وليست إضافة طيّبات إلى (ما) تفيد التقييد، بل هو من باب "قطيفة خز" وقد نزلت هذه الآية في الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وبلال وعثمان بن مضعون، فأما علي (عليه السلام) فإنه حلف أن لا ينام الليل أبداً إلا ما شاء الله، وأما بلال فإنه حلف أن لا يفطر بالنهار أبداً، وأما عثمان بن مضعون فإنه حلف أن لا ينكح أبداً -كل ذلك بقصد الإمتناع عن الشهوات الدنيا رجاء ثواب الله- فدخلت إمرأة عثمان على عائشة وكانت إمرأة جميلة فقالت عائشة : ما لي أراك متعطّلة ؟ فقالت : ولمن أتزيّن فوالله ما قربين زوجي منذ كذا وكذا فإنه قد ترهّب ولبس المسوح وزهد في الدنيا، فلما دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبرته عائشة فخرج فنادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : "ما بال أقوام يحرّمون على أنفسهم الطيّبات إنّي أنام بالليل وأنكح وأفطر بالنهار فمن رَغِبَ عن سنّتي فليس منّي" ، فقام هؤلاء فقالوا : يارسول الله فقد حلفنا على ذلك، فأنزل الله (لا يؤاخذكم الله) ، ولا يخفى أنّ مثل ذلك لا يضر مقام عصمة الإمام لأنه : أولاً : قُيّد بـ (إلا ما شاء الله)، وثانياً : إنه من قبيل (ياأيها النبي لِمَ تحرّم ما أحلّ الله لك) ولعل السر في المقامين أنّ الأمر كان جائزاً قبل النهي، ولفظة (لِمَ) ليس للتقريع بل للإرشاد وإعطاء الحُكم ((وَلاَ تَعْتَدُواْ )) حتى تُسرفوا في تنازل الطيّبات أو تعتدوها إلى الخبائث ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) قد تقدّم أنّ معنى (لا يحب) في هذه المقامات أنه يكرههم ويبغضهم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 88 | ((وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا ))، أي في حال كون الرزق حلالاً -أي مباحاً- طيّباً، أي لا ضرر فيه ولا خبث ((وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ ))، أي بالله ((مُؤْمِنُونَ)) فلا تخالفوا أوامره ولا ترتكبوا زواجره .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 89 | ((لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ )) اليمين التي أجازها الله سبحانه تكون منعقدة وتترتّب على حنثها الكفّارة، أما اليمين اللفظية -كما تتداول في ألسنة الناس حيث يحلفون على كلّ صغيرة وكبيرة- واليمين التي لم يعطِ الله الرخصة في متعلّقها كيمين تحريم الطيّبات على النفس زهداً فهي لغو من اليمين لا تترتب عليها كفّارة ولا يكون نقضها حِنثاً ((وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ )) عن قصد وإعتماد مع صلاحية المتعلّق للإنعقاد، فقول الإنسان "لا والله" و"بلى والله" لغو لم يقصد به عقد اليمين، كما يُعقد العقد، بل من هو من قبيل التأكيد كما إنّ عقده بدون صلاحية المتعلّق لا يفيد شيئاً، وقد سبق ذلك في سورة البقرة لكن التكرار هنا فذلكة للحكم المتقدّم وتمهيد للكفّارة ((فَكَفَّارَتُهُ ))، أي كفّارة ما عقّدتم من الأيمان وسميّت الكفّارة كفّارة لأنها تكفّر الذنب وتستره وإنما تجب الكفّارة إذا حنث الإنسان مقتضى يمينه ((إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ )) جمع مسكين، والمراد به الفقير يُعطى كلّ واحد مدّاً من الطعام وهو ما يقرب من ثلاثة أرباع الوقيّة -بحقّة كربلاء- أو ثلاثة أرباع الكيلو، أو يُطعمهم إطعاماً ((مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ )) فلا يجب في إطعامهم الحد الأعلى وهو الأرز مثلاً ولا يجوز الأدنى كإطعامهم بالدخنة مثلاً ((أَوْ كِسْوَتُهُمْ ))، أي يكسي كل واحد من العشرة بثوبين المأزر والقميص بأيّ جنس كان ((أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ))، أي عتق عبد أو أمّة لوجه الله سبحانه، وإنما عبّر الإنسان بالرقبة لعلاقة الكل بالجزء ((فَمَن لَّمْ يَجِدْ )) أحد الأمور الثلاثة للكفّارة ((فَـ)) كفّارته ((صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ )) متتابعات -كما ذكر الفقهاء- و((ذَلِكَ )) المتقدّم من الأمور الثلاثة ثم الصيام ((كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ )) جمع يمين وهو الحلف ((إِذَا حَلَفْتُمْ )) ثم حنثتم ((وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ )) فلا تحنثوها بل أوفوا بها ((كَذَلِكَ )) البيان، أي مثل هذا البيان الذي بيّن به الكفّارة وحُكم اللغو في اليمين ((يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ )) واضحة لا لبس فيها ولا غموض ((لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) الله سبحانه حيث أرشدكم إلى مصالحكم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 90 | وبعد ذِكر تحليل الطيّبات يأتي بيان تحريم الخبائث ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ )) وهي كلّ ما أسْكَر سواءً كان من العنب أو غيره ((وَالْمَيْسِرُ )) هو القمار بجميع أنواعه ((وَالأَنصَابُ)) وهي الأصنام كانوا يذبحون لها الذبائح ويلطّخونها بدمائها ((وَالأَزْلاَمُ )) قداح كانوا يستقسمون بها الذبيحة، وذلك نوع من أنواع القمار خُصّص بالذِكر لاشتهارها عند الجاهلين، وقد مرّ التفسير للكلمات سابقاً ((رِجْسٌ ))، أي خبيث ((مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ )) فإنّ الشيطان هو الذي أمَرَ بتعاطيها مقابل عمل الرحمان بمعنى الذي أمَرَ به وعمله، فإنّ الشيطان هو الذي عمل هذه الأشياء أما حقيقة كما يظهر من بعض الأحاديث، وأما مجازاً باعتبار وسوسته وإلقائه في قلوب الفاسقين ((فَاجْتَنِبُوهُ ))، أي إجتنبوا تعاطي هذه الأشياء فلا تشربوا الخمر ولا تضربوا الميسر ولا تعبدوا الأصنام ولا تستقسموا بالأولام ((لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))، أي كي تفوزون بخير الدنيا وسعادة الآخرة .
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:06 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 91
| ((إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ )) بوسوسته وأمره بشرب الخمر ولعب الميسر ((أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ )) أيها المسلمون ((الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء )) والفرق بينهما أنّ أصل التعدّي من فعل الجوارح وأصل البغضاء من فعل الجوانح ((فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ))، أي بالنسبة إليهما، فإنّ (في) تُستعمل بمعنى النسبة، كما قالوا في قولهم : الواجبات الشرعية في الواجبات العقلية، إنّ (في) بمعنى النسبة، أي بالنسبة إلى الواجبات العقلية، في المجمع : إنّ سعد بن أبي وقّاص ورجلاً من الأنصار كان مواخياً لسعد دعاه إلى طعام فأكلوا وشربوا نبيذاً مُسكِراً فوقع بين الأنصاري وسعد مِراء ومفاخرة فأخَذَ الأنصاري لحن جمل فضرب به سعداً ففزر أنفه فأنزل الله ذلك فيهما، أقول : إنّ إيقاع العداوة بواسطة الخمر ظاهر، إذ السُكر الموجب لذهاب العقل يوجب كل شيء وإيقاعه بسبب القمار من جهة الإختلاف بينهما فيمن له الغَلَب أولاً وبُغض المغلوب للغالب ثانياً ((وَيَصُدَّكُمْ )) كلّ واحد من الخمر والميسر ((عَن ذِكْرِ اللّهِ )) إذ الإسكار يوجب عدم الإلتفات إلى الله سبحانه والقمار بتشغيله الحواس منسي له تعالى ((وَعَنِ الصَّلاَةِ )) لما هو واضح مما تقدّم ((فَهَلْ أَنتُم )) أيها المسلمون ((مُّنتَهُونَ)) عنهما فتتركونهما لهذه المضار، وصيغة الإستفهام بمعنى النهي كما هو واضح .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 92 | ((وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ )) في الأوامر والنواهي، ومن المعلوم أنّ طاعتهما واحدة وإنما يُذكر الله لأنه الأصل في الإطاعة، ويُذكر الرسول لأنه المبلّغ الذي بيّن الأمر والنهي ((وَاحْذَرُواْ)) من مخالفتهما فإنّ ذلك موجب لخزي الدنيا والآخرة ((فَإِن تَوَلَّيْتُمْ ))، أي أعرضتم عن إطاعتهما ((فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ)) فانتظروا العقوبة حيث قد بلّغكم الرسول فلم ينفعكم البلاغ وتجاوزتم الحد .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 93 | ولما نزل تحريم الخمر والميسر قالت الصحابة : يارسول الله ما تقول في إخواننا الذين مضوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر، يريدون : هل من إثم على الذين قُتلوا أو ماتوا قبل التحريم وهم يتعاطونها ؟ فنزلت هذه الآية ((لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ))، أي إثم وحَرَج وعصيان ((فِيمَا طَعِمُواْ )) سابقاً قبل التحريم من الخمر وتعاطوا من الميسر وغلّب أحد اللفظين تخفيفاً كما قال الشاعر : علّفتها تِبناً وماءاً بارداً ((إِذَا مَا اتَّقَواْ )) (ما) زائدة ((وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ))، أي إذا كان طعامهم مصاحباً للتقوى والإيمان والعمل الصالح، ثم إنّ الإنسان قد يكون مؤمناً وعاملاً للصالحات ولكنه ليس كتّقياً، أي ليس في نفسه حالة رادعة ومَلَكة الخوف من الله سبحانه، ولذا ذَكَرَ سبحانه التقوى في عِداد الإيمان والعمل الصالح، ثم كرّر سبحانه الجملة السابقة، أي (إتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات) بتعبير ((ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ )) بلا ذِكر العمل الصالح و((ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ )) بلا ذِكر الإيمان، ولا يخفى أنّ الإحسان هو عبارة عن العمل الصالح، ولعل الوجه في التكرار إفادة الدوام في الصفات الثلاثة، أي إنّ عدم الجناح مشروط بالإيمان والتقوى والعمل الصالح -سابقاً- والإيمان والتقوى والعمل الصالح -مستمراً فيما بعد-، وقد كرّر (التقوى) في الجملة الثانية لتأكيد أنّ كلّاً من الإيمان ومن العمل الصالح لا ينفع بدون التقوى، والذي يقرّب إرادة الدوام من الجملة الثانية دخول (ثمّ) فيها فاستمرار التقوى مع الإيمان واستمرار التقوى مع العمل الصالح شرط في عدم الجناح، وهنا سؤال أنّ ظاره الآية إشتراط عدم الجناح بالطعام بالإيمان والتقوى والعمل الصالح، وإذا فرضنا أنّ الطعام كان محلّلاً -كما عرفتَ في شأن النزول إذ الخمر لم تُحرّم بعد- فما معنى هذا الشرط ؟ فقد كان شرب الخمر -قبل تحريمها- مباحاً حلالاً للمسلم والكافر، فأيّ معنى لتقييد التحليل بالإيمان ؟ ، والجواب : إنّ الشرط لا مفهوم له فليس المعنى : الجناح إذا لم يؤمنوا، إذ الشرط كما يُساق غالباً لبيان المفهوم نحو : إن جائك زيد فأكرمه، المفهوم منه : إن لم يجئك فلا تكرمه، يُساق أحياناً لبيان تحقق الموضوع نحو : إن رُزقت ولداً فأختنه، فإنه لا مفهوم له بـ : إن لم تُرزق ولداً فلا تختنه، إذ إن لم يُرزق ولداً يكون من السالبة بانتفاء الموضوع، وإنما الجملة : إن رُزقت، معناها : يجب الختنة للولد، وهنا كذلك إذ الآية مسوقة لبيان : إنّ المؤمنين الذين شربوا وهم متّقون عاملون بالصالحات ليس عليهم جُناح، في مقابل توهّم الأصحاب أنّ عليهم الجناح، لا أنه سيق للمفهوم حتى يُقال بعدم إستقامة مفهومه، ثم إنه من المحتمل أن يكون في تناول المباح للكفار حضر كما دلّ الدليل أنّ في تناول المباح للنُصّاب حضر، فمن شرب من الفرات من أعداء الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) كان شربه محرّماً، وعلى هذا فللمفهوم مجال واسع في الآية ((وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) الذين يُحسنون في أمورهم، وكأنه حث على الإحسان وإن لم يكن المُحسن من أهل الإيمان، ولا يخفى أنّ مَن طَعِمَ محرّماً وتذرّع لرفع الحد عنه بهذه الآية فهو مخطئ، إذ الآية تشترط في عدم الجناح الإيمان والتقوى والعمل الصالح، ومن المعلوم أنّ التقوى والعمل الصالح يتنافيان مع تناول المحرّم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 94 | وفي سياق التحليل والتحريم وتتميماً لما تقدّم في أول السورة من قوله سبحانه (غير محلّي الصيد وأنتم) وقوله (إذا حللتم فاصطادوا) يأتي ذِكر المصيد في حال الإحرام وكفارته ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ )) من بلا بمعنى إختُبر، يعني : ليختبرنّكم الله ويمتحنكم ((بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ ))، أي ببعض الصيد المحرّم على المُحرِم ((تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ )) فيكون في طريقكم إلى الحج بعض أقسام الصيد سهل التناول حتى أنّ أحدكم لو مدّ يده لتمكّن من أخذه، ولو شرع رمحه لتمكّن من صيده وبالأخص فِراخ الطير وصغار الوحش وبيض الطير المحرّم، فقد إبتُلي المؤمنين في عمرة الحديبية بكثرة الصيد في طريقكم إلى مكة وقد كان ذلك إختباراً من الله لهم أيّهم يطيع فيتجنّب وأيّهم يعصي فيصيد، وإنما كان ذلك الإختبار ((لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ))، أي بالسر والخلوة، وعن أعين الناس، وقد تقدّم سابقاً أنّ إختبار الله ليس لأنه لا يعلم وإنما لأجل أن يظهر معلومه ويُتمّ الحجّة كما أنّ (ليعلم) يُراد به ظهور معلومه، فإنّ العلم حيث كان من الأمور ذات الإضافة صحّ أن يكون السبب له إنكشاف المعلوم للعالم وإن يكون وجود المعلوم في الخارج، والمراد بالغيب ما غابَ عن الحواس وهو أما بالنسبة إلى الله أو بالنسبة إلى سائر الناس، أي في حال عدم رؤيتكم لله سبحانه أو عدم رؤية الناس لكم ((فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ ))، أي بعد النهي -المستفاد من الكلام- بأن صارَ وخالف أوامر الله ((فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) مؤلم وموجع . |
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:07 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 95
| ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ))، أي في حال كونكم مُحرمين، والمراد بالصيد كل وحش أُكل أم يُأكل إلا ما استُثني، وحُرُم جمع حرام، يُقال : أحرم الرجل، إذا دخل في الحُرُم أو في الإحرام، فالآية تدلّ على حُرمة الصيد الحَرَمي والصيد الإحرامي، كما إنّ ذلك عام للحج وللعمرة ((وَمَن قَتَلَهُ ))، أي قتل الصيد ((مِنكُم )) أيها المُحرِمون ((مُّتَعَمِّدًا)) وهذا القيد لا مفهوم له لأنه من مفهوم اللقب الذي ثبت عند العملاء عد م المفهوم له، فإنّ للخطأ أيضاً كفّارة كما ثبت في السنّة، ولعلّ فائدة القيد كونه الغالب الذي يتناوله الإنسان بالإضافة إلى أن يترتّب على ما يأتي من قوله (ليذوق وَبال أمره) ((فَجَزَاء )) عليه كفّارة ((مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ )) (من) بيان لجزاء أنّ جزائه أن يكفر بإحدى النِعم الثلاث المشابهة لذلك الصيد المقتول، فمثلاً الظبي شبيه بالشاة، وحمار الوحش وبقرته شبيهان بالبقرة، والنعامة شبيهة بجذور ((يَحْكُمُ بِهِ ))، أي بالمثل ((ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ))، أي رجلان عادلان، فيحكمان أنّ الحيوان الفلاني الذي اصطيدَ هو مثل النِعَم الفلاني من الأنعام الثلاثة -الشاة والبقرة والإبل- فكما حكما بأنه مثل الصيد أخذ كفّارة له، وقد ورد في الأحاديث أنّ المراد بالعادلَين الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإمام علي (عليه السلام) فما وُجد من النصوص في مورد المماثلة وجب الحُكم به، وما لم يرد فالظاهر عدم المانع في التمسّك بظاهر الآية من كفاية إخبار عدلين عارفين بالمماثلة إن لم يوجد نص بالخلاف بالقيمة أو ما أشبه ((هَدْيًا ))، أي في حال كون الكفّارة يُهدى هدياً ((بَالِغَ الْكَعْبَةِ ))، أي يذهب بها إلى صوب الكعبة فإن أصاب الصيد وهو مُحرِم بالعمرة ذَبَحَ جزائه بمكة وإن كان مُحرِماً بالحج ذَبَحَه بمنى ((أَوْ )) يكون جزاء الصيد ((كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ )) فإذا لم يجد الأنعام أخَذَ بقيمتها الطعام وتصدّق به على المساكين ((أَوْ)) يكون جزاء الصيد ((عَدْلُ ذَلِكَ ))، أي معادل الإطعام ((صِيَامًا )) فلكلّ مدين صوم يوم، وتفصيل هذه الأمور تُطلب من الفقه في كتاب الحج، وإنما شُرّعت الكفّارة ((لِّيَذُوقَ )) الصائد ((وَبَالَ ))، أي عقوبة ((أَمْرِهِ ))، أي عمله وهو الإصطياد المنهي عنه ((عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف )) من الصيد فمن صادَ متعمداً وكفّر عفا سبحانه عن ذنبه ((وَمَنْ عَادَ )) إلى الصيد متعمداً مرة ثانية ((فَـ)) لا كفار عليه من عِظم ذنبه، فإنه لا يُغسل بالكفار بل ((يَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ )) في الآخرة إنتقاماً لهتكه حُرمة الإحرام أو حُرمة الحرم، هذا على ما فُسّر به الآية الكريمة في الأحاديث، وإن كان لا يبعد إنصراف الآية الكريمة إلى (ما سَلَف) قبل التحريم، والعفو باعتبار أنه كان غير جائز حتى عند الجاهليين وما أُعيد بعد التحريم فيكون العفو عما سَلَف من قيبل "الإسلام يجبّ عما قبله" والمراد بالإنتقام الكفّارة والعقاب ((وَاللّهُ عَزِيزٌ )) قادر غالب ((ذُو انْتِقَامٍ)) ينتقم من كلّ من عصاه وخالفه .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 96 | ((أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ )) والمراد بالبحر الأعم من النهر، فإنّ العرب تسمّي النهر بحراً، فإنّ صيده مُباح في حال الإحرام، وفي الحرم -لو صار فيه بحر أو أُتي بصيده إليه- هذا بالنسبة إلى صيده ((وَ)) أما بالنسبة إلى أكله فـ ((طَعَامُهُ ))، أي طعام البحر قد مُتّعتُم به ((مَتَاعًا )) والمتاع ما يَتمتّع به الإنسان ((لَّكُمْ )) أيها المُحرِمون ((وَلِلسَّيَّارَةِ ))، أي للقوافل السيّارة التي تسير كثيراً، فإنه يجفّف السمك للسفر، وإنما خصّص بالسفر مع أنه طعام للحضر أيضاً لكثرة إنتفاع المسافر، إذ لا يمكن غالباً ذبح الأنعام في السفر فينتفع المسافر بالسمك المجفّف إنتفاعاً كثيراً ((وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ )) الأعم من الوحش والطير ((مَا دُمْتُمْ حُرُمًا )) جمع حرام، أي ما دمتم في الإحرام وما دمتم في الحَرَم -كما تقدّم- يُقال : رجل حرام، إذا كان مُحرِماً أو كا في الحَرَم ((وَاتَّقُواْ اللّهَ ))، أي خافوا عقابه فلا ترتكبوا نواهيه ((الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)) الحشر هو الجمع، أي يكون مصيركم وحشركم إليه فيجازيكم بما اقترفتم من الذنوب والآثام .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 97 | وفي سياق حكم الصيد في حال الإحرام يأتي الكلام حول ما جعله سبحانه حراماً من المكان والزمان ليهدي الناس في فترات معينة وأماكن معينة عن الخصام والإنتقام الذي يكدّر الحياة البشرية ((جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ )) سميت الكعبة كعبة لتربيعها وإنما قيل للمربّع كعبة لنتو زواه الأربع مقابل المدور، والكعب هو النتو والإرتفاع ((الْبَيْتَ الْحَرَامَ )) عطف بيان على الكعبة، وإنما جيء بهذا العطف لأنه كانت لدى الجاهليين كعبات متعددة وكانوا يحجّون إليها ويطوفون بها فهدّمها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسمى البيت الحرام لحرمته ولأنه يُحرم فيه القتال والصيد وغيرها ((قِيَامًا لِّلنَّاسِ )) مفعول ثان لـ (جَعَلَ)، أي جَعَلَ الله الكعبة لقيام الناس بأن تقوم أمورهم وتستقيم أحوالهم إقتصادياً وإجتماعياً وغيرهما كما ذُكر في فلسفة الحج -راجع كتاب (عبادات الإسلام) للمؤلف- ((وَ)) جعل الله ((الشَّهْرَ الْحَرَامَ )) قياماً للناس، فأشهر الحُرُم -وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب- تقوم أمور الناس وإجتماعهم، إذ يخفف عن كواهلهم عبأ الحروب والمخاصمات وتسبب الأمن والهدوء مما يروّج الإقتصاد ويهيّء الجو الملائم للتفاهم وغيرها، فالبيت الحرام أمن في المكان والشهر الحرام أمن في الزمان، وقد جعل سبحانه الأمن متعدّياً إلى خارج هذه الحدود فجعل ((وَالْهَدْيَ ))، اي محترماً لا يُمسّ بسوء، وهو ما يهدي إلى الكعبة بإشعار أو تقليد ((وَالْقَلاَئِدَ )) جمع قلادة، أي ما تقلّدها -بعلاقة الحال والمحل-، أي جَعَلَ القلائد محترماً لا تُمسّ بسوء، والمراد بالقلائد أما الحيوان الذي يُقلّد أو الإنسان الذي يُحرِم فيقلّد نفسه، قالوا : كان يقلّد بعيره أو نفسه قلادة من لحاء شجر الحَرَم فلا يخاف، لا يُقال أنّ غير الهدي والقلائد أيضاً محترم لأنه لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره أو بدون غيره فما هنا الإختصاص ؟ ، لأنّ الجواب ظاهر فإنّ الهدي لا يجوز أن يُمسّ وإن جاز مسّه لولا كونه هدياً بسبب الإقتصاص والإفلاس ونحوهما، كما إنه لا يجوز أن يتعدّى على المُحرِم بما يجوز التعدّي عليه في غير حال الإحرام، فلا يجوز أخذ المُحرِم وحبسه ولو كان بحق -إذ الواجب إتمام العمرة والحج لله- فكما لا يجوز لنفسه الإبطال لا يجوز لغيره الإبطال ((ذَلِكَ ))، أي إنما جعل سبحانه هذه المحرّمات ((لِتَعْلَمُواْ )) أيها الناس ((أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )) فإنه عالم بأحوال الإنسان وما يكتنفه من العداوات والشرور وأنه يحتاج إلى هدوء وسكينة في المكان وفي الزمان، وأنهم يحتاجون إلى ما يُقيم معاشهم ومعادهم ولذا جعل هذه المحرّمات للإستراحة والإستحمام، ولعلّ ذِكر (السماوات) إستطراداً، فإنّ ما ذُكر مرتبط بالأرض لكن لو ذُكرت وحدها لأوهم عدم علمه سبحانه بما في السماوات ((وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) من أحوال الإنسان والحيوان والأزمان والأماكن وغيرها .
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:08 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 98
| ولما تقدّم بعض الأحكام عقبه سبحانه بذِكر الوعد والوعيد ((اعْلَمُواْ )) أيها الناس ((أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) لمن عصاه وخالفه ((وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) لمن تاب وآمن وعمل صالحاً فإنه يغفر ذنوبكم ويرحمكم بفضله وسِعَته .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 99 | ((مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ ))، أي أداء الرسالة وبيان الشريعة أما القبول من الناس فليس من شأن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا يرتبط به ((وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ))، أي تُظهرون من الأقوال والأعمال ((وَمَا تَكْتُمُونَ)) من النيّات والأعمال فإنه لا يخفى عليه شيء ويُجازيكم بكل ذلك فأحسِنوا ولا تخالفوا .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 100 | ولما بيّن سبحانه الحلال والحرام ذكر أنهما لا يستويان، فلا يتناول أحد خبيثاً مدّعياً أنه لا فرق بين هذا وغيره كما نرى اليوم كثيراً من الناس يتناولون المحرّمات مدّعين عدم الفرق بينها وبين المحلّلات ((قُل )) يارسول الله ((لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ )) المحرّم ((وَالطَّيِّبُ )) المحلّل فإنهما ليسا متساويين ((وَلَوْ أَعْجَبَكَ )) أيها السامع ((كَثْرَةُ الْخَبِيثِ )) وزيادته على الطيب كما نرى من أنّ أنواعاً من الحيوان المحرّم أكثر من المحلّل، فإنّ كثرة الخبيث لا تسبّب طيبه، ولعلّ قوله (ولو) لدفع إستبعاد بعض الناس أنه كيف يمكن أن يكون هذا الشيء الكثير حراماً ؟! ((فَاتَّقُواْ اللّهَ ))، أي خافوا عصيانه ولا تخالفوه ((يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ))، أي أصحاب العقول ((لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))، أي كي تفوزوا بالثواب العاجل والآجل .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 101 | قلنا سابقاً قد جرت عادة القرآن الحكيم بعدم تطويل أمر واحد كي يملّ السامع فهو إذا أراد التطويل ذَكَرَ في الأثناء ما يلطّف الجو ويرفع الكلالة من السامع ببيان حُكم جديد منبّه، وهكذا أتت آية السؤال هنا في وسط الحرام والحلال بالإضافة إلى إرتباط الآية بالحج، حيث أنها وردت في باب السؤال عن الحج، فقد روي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خطب فقال : "إنّ الله كَتَبَ عليكم الحج" ، فقام سُراقة بن مالك فقال : في كل عام يارسول الله ؟، فأعرَضَ عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثاً، فقال رسول الله : "ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم ولو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني وما تركتكم فإنما هَلَكَ مَن كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتُكُم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، فنزلت ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء )) متّصفة بأنها ((إِن تُبْدَ لَكُمْ ))، أي تظهر لكم ((تَسُؤْكُمْ ))، أي تسبّب سوءاً أو حزناً وصعوبة عليكم ((وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا ))، أي عن تلك الأشياء ((حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ ))، أي في فترة الوحي ووجود النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين أظهُرِكم ((تُبْدَ لَكُمْ )) لأنّ الوحي يأتي إليه بالجواب فيكون موجباً للصعوبة عليكم بتشريع أحكام جديدة أنتم في غِنى عنها، وهنا سؤال أنه كيف يمكن عدم السؤال إن كان من الأمور المرتبطة بالدين ؟ وأنه هل أنّ أحكام الله إعتباطية حتى يشرّعها السؤال ؟ أليس كلّ حُكم تابع للمصلحة والمفسَدة، ويبيّن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك لإيصال الناس إلى مصالحهم ومفاسدهم ؟ وما خصوصية حين ينزل القرآن فإنّ الأئمة (عليهم السلام) أيضاً بتلك المثابة حيث أنهم يعلمون جميع الأحكام ؟، والجواب أنّ الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد التي منها مصلحة التسهيل على المكلّفين، فكثيراً ما لا يشرّع حُكم -كعدم وجوب السواك- لمصلحة التسهيل، ومن المعلوم أنّ هذه المصلحة قد ترتفع إذا كان هناك لجاج وعناد وظلم، كما قال سبحانه (فبِظلمٍ من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات أحلّت لهم) وبهذا ظَهَرَ الجواب عن السؤال الثاني، وأما السؤال الأول فإنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا كان في مقام بيان جميع الأحكام وليست القضية شخصية كابتلاء بإرث لا يعلم تقسيمه أو زوجة لا يعرف حقها أو ولد عاص لا يدري كيف يعاشره أو أشباه ذلك، لم يكن وجه للسؤال لأنه تعنّت وإرهاق، وأما السؤال الثالث فلأن المصالح التشريعية قد كملت في زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى إنه لا تشريع جديد بعده، ولذا فلم تكن الأئمة (عليهم السلام) بمثابة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في إمكان تشريع الحُكم وإن كان من الممكن التشريع لو حدث في زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شيء، وهذه المصلحة -وهي إنسداد باب التشريع- حتى لا يكون لأحد ذلك بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإن كان مفوتاً لمصالح واقعية -مثلاً- لكنها أقوى في الإعتبار من مراعات مصالح لأحكام جديدة، ولعلّ الجواب عن الإشكال الثاني يُستفاد من حديث ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : "إنّ الله إفترض عليكم فرائض فلا تضيّعوها وحدّ لكم حدوداً فلا تعتدوها ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها وسَكَتَ عن أشياء ولم يدعها نسياناً فلا تتكلّفوها" ((عَفَا اللّهُ عَنْهَا ))، أي عن تلك الأشياء فلا تتكلّفوها إنه سبحانه رجّح مصلحة التسهيل عليكم على مصلحة تلك الأحكام فإن تسألوا عنها وعاندوا تُرفع تلك المصلحة التسهيلية فتبتلون بها ((وَاللّهُ غَفُورٌ )) يغفر ما سلف ((حَلِيمٌ)) يرحمكم أن يوقكم في عسر ومشقة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 102 | ((قَدْ سَأَلَهَا ))، أي سأل عن تلك الأشياء التي إن تُبْدَ تسيء السائل ((قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ )) من الأمم السابقة، كما سأل اليهود عيسى (عليه السلام) المائدة ثم كفروا، وسأل بنو إسرائيل القتال فلما أُجيبوا ولّوا إلا قليلاً منهم، وسأل قوم صالح الناقة ثم عقروها، أو من المشركين حيث سألوا من النبي أشياء ثم لما أبدا لهم كفروا ولم يؤمنوا ((ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ)) فازدادوا عذاباً على عذابهم، وهذه الآية كالتعليل للنهي في الآية السابقة .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 103 | ثم يرجع السياق إلى ذِكر بعض الأمور المحلّلة التي حرّمها أهل الجاهلية ((مَا جَعَلَ اللّهُ ))، أي لم يحرّم الله -كما يزعم أهل الجاهلية- ((مِن بَحِيرَةٍ )) هي الناقة إذا شُقّت أذنها، من البحر بمعنى الشق ((وَلاَ سَآئِبَةٍ )) من ساب الماء إذا جرى، أي الناقة السائبة التي تجري على الأرض بدون أن يمسّها أحد -كما يأتي- ((وَلاَ وَصِيلَةٍ )) من الصلة ضد القطيعة وهي قسم من الناقة والشاة كانو يحرّمونها ((وَلاَ حَامٍ )) من حمى يحمي إذا حفظ، وهو قسم من الإبل كانو يحرّمونه لأنه حمى نفسه، فقد كان أهل الجاهلية إذا ولدت الناقة خمسة أبطن خامسها أنثى بحروا أُذنها -أي شقّوها وحرّموها على النساء- فإذا ماتت حُلّت، وإذا ولدت عشراً جعلوها سائبة لا يستحلّون ظهرها ولا أكلها، وربما تسيّب بنذر فكان ينذر أحدهم إن برء مريضه أو جاء مسافره فناقته سائبة، وإذا ولدت ولدين في بطن واحد أو الشاة ولدت في السابع ذكر أو أنثى في بطن واحد قالوا : وصلت، فلم تُذبح ولم تُؤكل وحرّموا ولدي الشاة على النساء حتى يموت أحدهما فيحلّ، والحام الفحل إذا ركب ولد ولده أو نتج من صلبه عشرة أبطن قالوا : قد حمى ظهره فلا يُركب ولا يُمنع من كلاء وماء، فأنزل الله عزّ وجل أنه لم يحرّم شيئاً من هذه الأمور ((وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ )) فينسبون تحريم هذه الأشياء إلى الله سبحانه كذباً وبهتاناً ((وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ))، أي ليس لهم عقل يميّزون بين الحرام والحلال والحق والباطل .
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:09 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 104
| ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ))، أي لهؤلاء الذين يحرّمون أشياء إفتراءاً ((تَعَالَوْاْ ))، أي هلمّوا ((إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ )) من الأحكام في القرآن ((وَإِلَى الرَّسُولِ )) كي تصدّقوه وتتّبعوا سنّته ((قَالُواْ )) في الجواب ((حَسْبُنَا ))، أي يكفينا لمصالحنا ((مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا )) من العقائد والأقوال والأعمال والعادات، وهنا يسأل سبحانه سؤال إنكار وتعجب بقوله ((أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا )) من الحق والباطل ((وَلاَ يَهْتَدُونَ)) إلى الحق، أي فهل يتّبعونهم ولو كانوا جهّالاً ضلّالاً ؟! .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 105 | ولما بيّن سبحانه أحوال الكفار وأنهم ضالّون أمر المسلمين باتباع الحق وأنهم لا يضرّهم ضلال من ضلّ حينما كانوا هم مهتدين ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ )) هو إسم فعل بمعنى إلزم واحفظ، أي إحفظوا ((أَنفُسَكُمْ )) عن الضلال والإحراف ((لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ )) من الناس ((إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ))، أي إذا كنتم مهتدين، ومن المعلوم أنّ من شروط الإهتداء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد وسائر الواجبات التي هي من هذا القبيل ((إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ )) أيها الناس ((جَمِيعًا )) فإنّ مصير الضال والمهتدي إليه سبحانه ((فَيُنَبِّئُكُم ))، أي يُخبركم ((بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) من الأعمال الحسنة أو القبيحة، وليس كالدنيا يختلط الحابل بالنابل فتُؤخذون أنتم بذنوب الضالين إشتباهاً وتعمّداً أو يُشتبه أمر الضالّين فلا يجازون بالعقاب .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 106 | ثم تعرّض سبحانه لبيان تشريع جديد وَرَدَ في قصة خاصة يرجع إلى سنّ بعض الأحكام بعدما فَرِغَ من بعض أقسام الحلال والحرام، فروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّ ثلاثة نفر خرجوا من المدينة تجّاراً إلى الشام تميم بن أوس الداري وأخوه عدي وهما نصرانيان وابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص السهمي وكان مسلماً حتى إذا كانوا ببعض الطريق مَرِضَ إبن مارية فكتب وصية بيده ودسّها في متاعه وأوصى إليهما ودفع المال إليهما وقال : أبلِغا هذا أهلي، فلما مات فتحا المتاع وأخذا ما أعجبهما منه ثم رجعا بالمال إلى الورثة، فلما فتّش القوم المال فقدوا بعض ما كان قد خرج به صاحبهم، فنظروا إلى الوصية فوجدو المال فيها تاماً فكلّموا تميماً وصاحبه فقالا : لا علم لنا به وما دفعه إلينا أبلغناه كما هو، فرفعوا أمرهم إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فنزلت الآية -وستأتي تتمة القصة- ((يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ )) مرفوع بالإبتداء خبره (إثنان)، أي إنّ الشهادة المعتبرة شرعاً فيما بينكم شهادة نفرين ((إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ )) بأن ظهرت عليه آثار الموت ((حِينَ الْوَصِيَّةِ ))، أي في وقت الوصية ((اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ))، أي رجلان عادلان من المسلمين ((أَوْ آخَرَانِ ))، أي شخصان آخران لتحمّل الشهادة ((مِنْ غَيْرِكُمْ ))، أي غير المسلمين، واو هنا للترتيب لا للتخيير ((إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ ))، أي سافرتم ولم تجدوا مسلمين للإشهاد على الوصية فاشهدوا نفرين آخرين ((فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ )) بأن ظهرت علائمه، والجملة الشرطية لتقيّد قوله (آخران) فإنّ إشهادهما مشروط بالضرب في الأرض، وهذا من باب المورد، وإلا فالمعيار عدم وجود مسلمين، وإن كان في الحضر، فإذا تحمّلا الشهادة وأرادا الإدلاء بها فهو بهذه الكيفية : ((تَحْبِسُونَهُمَا ))، أي تقفونهما ((مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ ))، أي صلاة العصر وذلك لاجتماع الناس وتكاثرهم في ذلك الوقت، ولعله أردع للكذب، إذ الإجتماع مما يسبّب الهيبة في قلب المدلي للشهادة ((فَيُقْسِمَانِ))، أي الشاهدان غير المسلمين ((بِاللّهِ )) وهذا دليل على أنّ الشاهد يجب أن يكون معترفاً بالله كأهل الكتاب ((إِنِ ارْتَبْتُمْ ))، أي شككتم في شهادتما واحتملتم التبديل والتغيير والتزييف في الأمر، وهذا شرط للقَسَم، أي إنهما يُقسِمان في حال شككتم وإلا فيدليان بالشهادة بدون القَسَم ((لاَ نَشْتَرِي بِهِ ))، أي بما ندلي من الشهادة ((ثَمَنًا )) وهذا هو المقسَم به، فلا نغيّر الشهادة ولا نبدّل ولا نزيّف الواقع إبتغاء تحصيل ثمن، أي مال ((وَلَوْ كَانَ )) المشهود له ((ذَا قُرْبَى ))، أي من أقربائنا، وخصّص بالذَكَر لأنّ الناس دائماً يميلون إلى أقربائهم فيشهدون بالباطل لنفعهم، وهذا كالتأكيد وإلا فليس هنا مشهوداً له، والمعنى إنّا لا ندلي شهادة باطلة حتى لأقربائنا ((وَلاَ نَكْتُمُ ))، أي لا نُخفي ((شَهَادَةَ اللّهِ ))، أي الشهادة التي أمَرَنا الله بأدائها، والأوصاف تعظيمية ((إِنَّا إِذًا )) لو كتمنا شهادة الله ((لَّمِنَ الآثِمِينَ))، أي العاصين، وحاصل الحُكُم أنّ الإنسان إذا أراد أن يوصي فعليه أن يشهد على وصيته شاهدين مسلمين عادلين، فإن كان في سفر وظهرت عليه إمارات الموت ولم يكن هناك مسلمون لتحمّل الشهادة، يشهد على وصيّته شاهدين كتابيين وتُقبل شهادتهما بدون اليمين إن لم يشكّ الوارث بهما، أما إذا شكّ بهما واحتمل أنهما يكذبان في الشهادة فالحاكم الشرعي يُحضرهما بعد صلاة العصر ويُحلّفهما أولاً بهذا الحلف : والله إنّا لا نبتغي بالشهادة مالاً ولا نبدّل الشهادة حتى لأقربائنا ولا نكتم الشهادة التي ألزمها الله إيماناً ولو فعلنا ذلك لكُنّا آثمين، وبعد أداء هذا القَسَم أو شبهه في المعنى يُدليان بشهادتهما حول الوصية وتُقبل شهادتهما حينئذٍ .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 107 | ولما نزلت الآية الأولى صلّى رسول الله صلاة العصر ودعا بتميم وعدي فاستحلفهما عند المنبر بالله ما قبضنا غير هذا ولا كتمناه، فخلّى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سبيلهما، ثم إطّلعوا على إناء من فضة منقوش بذهب وقلادة من جوهر معهما من مال الميت، فقال أولياء الميت : هذا من متاع الميت، فقال النصرانيان إشتريناه منه ونسينا أن نُخبركم، فرفعوا أمرهما إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فنزل قوله (فإن عُثِرَ) فقام رجلان من أوليا ءالميت عمرو بن العاص والمطلب ابن أبي وداعة فحَلَفا بالله أنّ النصرانيين خانا وكذّبا فدفع الإناء إلى أولياء الميت، وبعد مدة أسلم تميم الدارمي فكان يقول : صَدَقَ الله وصَدَقَ رسوله أنا أخذتُ الإناء فأتوب إلى الله وأستغفره ((فَإِنْ عُثِرَ )) يُقال : عَثَرَ الرجل على الشيء، إذا إطّلع، فعُثِرَ بالمجهول بمعنى ظهر ((عَلَى أَنَّهُمَا ))، أي الوصيّين غير المسلمين ((اسْتَحَقَّا ))، أي إستوجبا ((إِثْمًا ))، أي ذنباً بأن إدّعى الأولياء أنهما كذّبا في اليمين والشهادة بل خانا الوصية ((فَـ)) شاهدان ((آخَرَانِ )) مسلمان ((يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا ))، أي مقام غير المسلمين ((مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ))، أي من أولياء الميت الذين إستحقّت عليهما الوصية، وكان المال لهم ((الأَوْلَيَانِ )) تثنية أولى، بدل من قوله "آخران"، أي يقوم شاهدان كل واحد منهما أولى بالميت، أي من أقربائه وذي ولايته، وهذا ينقضان شهادة الوصيّين الكاذبين غير المسلمين ((فَيُقْسِمَانِ ))، أي وليّا الميت ((بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا )) نحن أولياء الميت -في تكذيب الوصيّين- ((أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا ))، أي من شهادة الوصيين الكاذبين، وكلمة (أحقّ) جُرّدت من معنى التفضيل -كما سبق- ((وَمَا اعْتَدَيْنَا ))، أي ما تجاوزنا الحق بل نطلب مال الميت ((إِنَّا إِذًا )) لو إعتدينا كُنّا ((لَّمِنَ الظَّالِمِينَ)) لنفوسنا حيث قَسَمنا كذباً، وإذا حَلَفَ وليّان للميت كذلك نَقَضَ حلف الوصيّين وأُخذ المال منهما وأُعطي إلى وليّ الميت |
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:09 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 108
| ((ذَلِكَ )) الذي تقدّم من كيفية إخلاف الوصيّين بعد الصلاة ((أَدْنَى ))، أي أقرب ((أَن يَأْتُواْ))، أي يأتي الوصيّان ((بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا )) فإنّ اليمين رادعة لكثير من الناس عن الكذب ((أَوْ يَخَافُواْ )) إذا علموا بأنهم إن حلفوا كاذبين ((أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ )) إلى أولياء الميت فيحلفان على كذبهما ويكون الحق لهما دون الوصيّبن ((بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ )) فيجمعوا بين فضيحة الكذب والسرقة وفضيحة الحلف الكاذب ((وَاتَّقُوا اللّهَ )) فلا تحلفوا به كذباً ((وَاسْمَعُواْ )) هذه الموعظة ((وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)) الذين يفسقون بالخروج عن طاعته وارتكاب معصيته، فإنه لا يلطف بهم اللطف الخاص بالمطيعين .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 109 | قد سبق جانب من قصص اليهود والنصارى، ويأتي هنا جانب آخر من قصة النصارى في ثوب بديع ((يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ ))، أي إتقوا يوم الحشر الذي يجمع الله فيه الأنبياء المرسلين جميعاً ((فَيَقُولُ )) لهم ((مَاذَا أُجِبْتُمْ ))، أي بماذا أجابكم الأمم هل بالإيمان والتصديق أم بالكفر والتكذيب ؟ ((قَالُواْ ))، أي قالت الرُسُل في جوابه سبحانه ((لاَ عِلْمَ )) كامل ((لَنَا )) فإنّا لم نَرَ منهم إلا ظواهر أما ألبواطن والخفايا فأنت العالم بها وحدك ((إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ))، أي الأشياء الغائبة عن الحواس، وقصد الآية هنا الإجمال أو ذلك في موقف من مواقف القيامة إذ لها مواقف كل موقف منها يخالف الموقف الآخر في الخصوصيات والمزايا -هذا جواب الأنبياء بصورة عامة- ، أما جواب عيسى (عليه السلام) ففيه تفصيل وسيأتي بعد آيات من قصة عيسى (عليه السلام) .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 110 | ((إِذْ قَالَ اللّهُ ))، أي يقول، فإنّ المضارع المتحقّق الوقوع ينزل منزلة الماضي، ومحل (إذ) نصب على (إتّقوا)، أي إتّقوا زمان يقول الله : ياعيسى، أو على تقدير (إذكُر) ((يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ)) وذَكَرَ (ابن مريم) إستنكاراً لقول النصارى أنه إبن الله (( اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ )) والمراد بالنعمة جِنسها، لا نعمة واحدة، ومعنى ذِكر النعمة شُكرها، والإتيان بما يستحق المنعم بها، ومن المعلوم أنّ النعمة على الوالدة بالعفاف والطهارة وغيرهما من أعظم النِعَم على الولد، فهي مما تستحق الشكر، ثم فسّر سبحانه بعض نعمه بقوله ((إِذْ أَيَّدتُّكَ ))، أي قوّيتك ونصرتك ((بِرُوحِ الْقُدُسِ ))، أي الروح المنزّه عن الأدران، وهو جبرئيل (عليه السلام) أو مَلَك آخر، أو روح منفوخة فيه تحفظه عن الزلل، فإنّ الأنبياء والأئمة مزوّدون بروح طاهرة تحفظهم وتُرشدهم بأمر الله سبحانه ((تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ))، أي في حال كونك صبيّاً، فإنه (عليه السلام) قال (أنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً وجعلني مُباركاً أين ما كنتُ وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمتُ حيّا) .. إلخ ((وَكَهْلاً ))، أي في حال كونك كهلاً، وهو قبل سن الشيخوخة، وهذا من تتمة الكلام، يعني أنك تكلّم الناس في الحالين، لا كسائر الناس الذين لا يتكلّمون إلا في حالة واحدة ((وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ ))، أي جِنس الكتاب المُزل من السماء، فإنه كانت كُتب نازلة على الأنبياء السابقين، وقد كان (عليه السلام) تعلّمها بتعليم الله سبحانه ((وَالْحِكْمَةَ )) وهي علم الأشياء على واقعها فإنّ معرفة الكتب غير معرفة الحكمة، وأن يكون الإنسان بحيث يعلم الأمور ومواضعها ((وَالتَّوْرَاةَ )) وهي الكتاب المنزَل على موسى (عليه السلام) ((وَالإِنجِيلَ )) وهو الكتاب المنزَل على المسيح نفسه (عليه السلام) ((وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ))، أي على قالب الطير وهيكله، ومن المعلوم أنّ هذا النحو من التجسيم لم يكن حراماً لأنه كان بأمر الله وليس للتحريم عقلياً حتى لا يمكن التخصيص فيه ((بِإِذْنِي )) ولعلّ بإذني إشارة إلى ذلك، أو إنّ الخلق إنما كان بقدرته، إذ لو لم يأذن الله لم يتمكن أحد من خلق شيء وصنعه ((فَتَنفُخُ فِيهَا ))، أي في تلك الهيئة التي خلقتها، ولا يخفى أنّ الروح جسم لطيف فيمكن أن ينفخ المسيح (عليه السلام) بإذن الله ذلك الجسم في الهيكل المصنوع ((فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ))، أي طيراً حقيقياً كسائر الطيور بأمري وإرادتي ((وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ))، أي تُشفي الذي وُلد أعمى ((وَالأَبْرَصَ )) الذي به البَرَص ((بِإِذْنِي ))، أي بأمري وإرادتي ((وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى )) من القبور فتجعلهم أحياءاً ((بِإِذْنِي )) وإرادتي فإنك تدعوني لهذه الحوائج وإنما أستجيب دعائك ((وَإِذْ كَفَفْتُ ))، أي منعتُ ((بَنِي إِسْرَائِيلَ )) اليهود ((عَنكَ )) فلم يقدروا على قتلك ((إِذْ جِئْتَهُمْ ))، أي حين أتيت إليهم ((بِالْبَيِّنَاتِ )) ، أي بالأدلة القاطعة على صحة نبوّتك وصدق كلامك ((فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ )) بك وجحدوك ولم يؤمنوا بما جئتَ به ((مِنْهُمْ ))، أي من بني إسرائيل ((إِنْ هَذَا ))، أي ما هذا الذي نرى من خوارقك ((إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ))، أي سحر واضح .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 111 | ((وَ)) اذكُر نعمتي عليكَ ياعيسى بن مريم (عليه السلام) ((إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ )) الوحي هنا بمعنى الإلقاء إليهم ولو كان ذلك بواسطة نفس عيسى أو يحيى (عليهما السلام)، أو المراد الإلهام إلى قلوبهم بواسطة العقل الذي هو حُجّة باطنة، والمراد بالحواريّين أصحابه الخاصون به، وسَبَقَ وجه تسميتهم بالحواري ((أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي )) المسيح، فإنّ الإيمان بالله نعمة على المسيح، كما إنّ تصديقه (عليه السلام) نعمة عليه، إذ الأمران موجبان لقُربه (عليه السلام) إلى الله سبحانه حيث تمكّن من إهدائهم بالإضافة إلى لزوم الإحترام الظاهري ((قَالُوَاْ ))، أي قال الحواريون ((آمَنَّا ))، أي بالله ورسوله ((وَاشْهَدْ )) ياربنا، أو المراد الإستشهاد بعيسى (عليه السلام) ((بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ)) لله فيما يأمر وينهي .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 112 | واذكر نعمتي عليك ياعيسى بن مريم (عليه السلام) حينما جرى الحوار بينك وبين الحواريّين حول إنزال الله المائدة فطلبتَ من الله فاستجاب لك وأنزل المائدة ((إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ )) ولعلّهم ذكروا اللفظ بتأديب وإنما نَقَلَ سبحانه المعنى، أو كان مثل هذا الخطاب من دستور عيسى (عليه السلام) نفسه، أو كان لديهم متعارفاً ((هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء )) أما المراد الإستطاعة بحسب القدرة، وكان ذلك حين عدم كمال إيمانهم، وأما المراد الإستطاعة بحسب الإرادة، أي هل يريد ؟ ، وكان سؤال إستعطاف، والمائدة مشتقّة من ماد يميد إذا تحرّك، فهي فاعلة سمي بها الخوان لأنه يميد ويتحرك من مكان لمكان آخر وقت البسط والجمع، وقد أرادوا إتيان عيسى بهذه المعجزة ليروها ويلمسوها ويأكلوها، فلا يبقى محل ريب لهم في صدق الدعوة، ولعلّ ذلك كان قبل سائر الآيات من إبراء الأكمه والأبرص، ولذا ((قَالَ )) لهم عيسى (عليه السلام) ((اتَّقُواْ اللّهَ ))، أي خافوه فلا تسئلوا سؤال جاهل ذي ريب ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) بالله بماله من صفات الكمال التي منها الإستطاعة على مثل هذا الأمر المهين .
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:10 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 113
| ((قَالُواْ ))، أي قال الحواريّون ((نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا ))، أي من المائدة ((وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا )) أما الإطمئنان بأصل المبدء وأنك رسوله، أو الإطمئنان بالرؤية كما قال الخليل (عليه السلام) (قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) ((وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا )) بما أخبرت من الشريعة، وهذا محتمل أيضاً لإرادة العلم العياني ولإرادة أصل العلم لكونهم في شك ((وَنَكُونَ عَلَيْهَا ))، أي على المائدة ((مِنَ الشَّاهِدِينَ)) الذين يشهدون لمن غاب بأنه نزلت المائدة ورأيناها عيناً .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 114 | ((قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ )) داعياً الله سبحانه ((اللَّهُمَّ رَبَّنَا )) وكان الإتيان بلفظ الرب للمبالغة في الدعاء، أنت الذي ربّيتنا فتفضّل علينا بتتميم التربية ((أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء ))، أي خواناً عليه طعام يأتي من طرف العلو ((تَكُونُ )) المائدة ((لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا ))، أي نتّخذ ذلك اليوم الذي تنزل المائدة عيداً، فإنّ الأعياد في الأمم إنما هي بمناسبة ذكريات إنتصارهم، ومن المعلوم أنّ تكريم جماعة بنزول المائدة عليهم من قِبَل الله سبحانه من أعظم الذكريات التي ينبغي أن يُحتفل بها، أول القوم الذين نزلت عليهم، وآخر القوم أي مَن يأتي من بعدهم من أبنائهم ((وَآيَةً مِّنكَ ))، أي دليلاً وعلامة من قِبَلك على التوحيد والنبوّة وما أشبههما ((وَارْزُقْنَا )) من المائدة ((وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)) فإنك تتفضّل بالنِعَم كرماً وجوداً ولا تريد عوضها شيئاً تنتفع به بخلاف الناس إذا أُعطوا شيئاً فإنهم يريدون بدلاً يصل إليهم .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 115 | ((قَالَ اللّهُ )) سبحانه في جواب عيسى (عليه السلام) ((إِنِّي مُنَزِّلُهَا ))، أي أُنزّل المائدة ((عَلَيْكُمْ)) أيها السائلون لها ((فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ ))، أي بعد إنزالها عليكم ((فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا )) شديداً ((لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ))، أي لا أعذّب مثل ذلك العذاب أحداً من العصاة الذين هم في ذلك الزمان، فإنّ إطلاق (العالمين) غالباً على عالَمي زمان واحد، والسبب في شدة العذاب أنهم كفروا بعدما آمنوا وطلبوا المعجزة وقَبِلَ منهم ولُبّي طلبهم، ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) أنّ المائدة كانت تنزل عليهم فيجتمعون عليها ويأكلون منها ثم ترتفع فقال كبرائهم ومترفوهم لا ندع سفلتنا يأكلون منها معنا فرفع الله المائدة ببغيهم ومُسخوا قِرَدة وخنازير .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 116 | تقدّم أنّ الله سبحانه يسأل الأنبياء عن جواب الأمم لهم، ثم ذُكر جملة من معاجز عيسى المقتضية لإيمان الناس به إيماناً عادلاً، لكن النصارى رفعوه فوق مقامه إذ جعلوه إلهاً، ولذا يتوجّه السؤال إليه (عليه السلام) في مشهد القيامة حول هذا الإفتراء الذي نُسب إليه (عليه السلام) حتى يظهر تبرّيه من ذلك، فيكون المجال فسيحاً أمام عقاب من إدّعى ذلك كذباً وبهتاناً، في يوم يجمع الله الرُسُل فيقول : ماذا أُجِبتُم ؟ ((وَإِذْ قَالَ اللّهُ ))، أي يقول، فإنّ المستقبل المتحقّق وقوعه ينزل منزلة الماضي ((يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ ))، أي هل أنتم على نحو الإستفهام التوبيخي لمن إدّعى ذلك، والتقريري بالنفي بالنسبة إلى المسيح (عليه السلام) ((قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ ))، أي سوى الله، لا إنهم لا يعتقدون بإلوهيّة الله تعالى ((قَالَ )) عيسى (عليه السلام) في جواب ذلك : أسبّحك ((سُبْحَانَكَ ))، أي أنزّهك يارب تنزيهاً عن مثل هذا الكلام ((مَا يَكُونُ لِي ))، أي ليس يجوز بالنسبة إليّ ((أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ )) فآمرَ الناس باتّخاذي إلهاً ((إِن كُنتُ قُلْتُهُ ))، أي قلتُ للناس إتّخذوني وأُمّي إلهين ((فَقَدْ عَلِمْتَهُ )) لكن لا تعلم ذلك -على نحو السالبة بانتفاء الموضوع- فلستُ قلته ((تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي ))، أي سريرتي فكيف بأقوالي العلانية ((وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ )) وهذا على جهة المقابلة، وإلا فليس لله سبحانه نفس، وقوله (ولا أعلم) لبيان ضراعته (عليه السلام) إليه سبحانه وإلا فلم يكن الكلام مسوقاً إليه ((إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ))، أي تعلم كلّ غيب عن الحواس، ولستُ أنا كذلك فأنت تعلم أني لم أقل (إتّخذوني وأُمّي إلهين) للناس .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 117 | ثم بيّن (عليه السلام) ما قاله لقومه زيادة في التبرّي من هذا القول المختلق إليه ((مَا قُلْتُ لَهُمْ))، أي للناس ((إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ )) من الإقرار لك بالعبودية، فقد قلتُ لهم ((أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ )) فأنا وأنتم متساوون في عبادة الله وكونه ربنا وخالقنا ((وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا )) شاهداً أرى أقوالهم وأعمالهم ((مَّا دُمْتُ )) كنتُ ((فِيهِمْ ))، أي في وسطهم ((فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ))، أي أخذتني مستوفى كاملاً إلى السماء -وقد سبق وجه ذلك- ((كُنتَ أَنتَ )) ياإلهي ((الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ))، أي المراقب لهم فيما يعملون ويعتقدون ويقولون ((وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ))، أي شاهد حاضر .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 118 | إنّ مبدء القوم هو أنت (ربي وربكم) ومعادهم بيدك وحدك ((إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ )) لا يقدرون على رفع شيء من أنفسهم ولا يقدر غيرك على نجاتهم ((وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ)) القادر ((الْحَكِيمُ)) الذي لا يفعل شيئاً إلا طبق الحكمة والمصلحة، وفي هذا تسليم الأمر لمالكه وتفويض الأمر إلى مدبّره، وهذا التعبير لا ينافي علم عيسى (عليه السلام) بأنهم معذّبون فإنه كما يقول أحدنا لمال أمر أنه بيدك إن شئت فعلت وإن شئت تركت حتى مع علمنا أنه يفعل أحدهما لا محالة، هذا بالإضافة إلى أنّ بعضهم وهم القاصرون قابلون للغفران .
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 119 | ((قَالَ اللّهُ )) بعد ذلك الحوار في مشهد القيامة ((هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ )) فلا الكاذب الغالي القائل المسيح إبن الله أو هو الله، ينفعه كذبه، ولا الكاذب الغالي القائل بأنّ المسيح بشر غير نبي ينفعه كذبه، أنه يوم الصدق، وينفع الصادق صدقه ((لَهُمْ ))، أي للصادقين ((جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ))، أي تحت قصورها وأشجارها ((الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا )) مما لا نهاية له ((رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ )) بما عملوا في دار الدنيا ((وَرَضُواْ عَنْهُ )) بما أعطاهم من الجزاء والثواب ((ذَلِكَ )) المقام الذي حصلوه عملوا ((الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) الذي لا فوز بعده أعظم منه .
|
| |
|
| |
همس الرموش Super
عدد المساهمات : 211 نقاط : 128870 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 30/03/2011
| موضوع: رد: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) الأحد مايو 01, 2011 5:10 pm | |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة المائدة | 120
| إنّ النصارى كذبوا في جعل الشريك لله ((لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )) لا شريك له فيهنّ ولا مَلِك غيره ((وَمَا فِيهِنَّ )) مما يوجد فيهما من إنسان أو حيوان أو نبات أو جماد أو غيرها ((وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) فلا يمتنع عليه شيء، وما هذه صفته لا يكون له شريك في المُلك . |
| |
|
| |
| تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان(سورة المائدة) | |
|