تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 1
|
((لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ)) والمراد به مكة، و"لا" إما للنفي، جيء بها للتلويـح إلى القسم مـع تعظيم المقسم به، وإما زائدة، فالمعنى أقسم بهذا البلد، والآية الثانية تناسب الأمرين باعتبارين.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 2 |
((وَأَنتَ)) يا رسول الله ((حِلٌّ))، أي مقيم قد حللت ((بِهَذَا الْبَلَدِ))، فإنه قد تشرف به، فإن شرف المنزل بشرف النازل، و"الحل" بمعنى الحال، وكلاهما بمعنى الساكن، فهذا البلد إنما يقسم به لشرفه به أو يعظم فلا يقسم به لشرفه به.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 3 |
((وَ)) قسماً بـ((وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ))، أي كل والد وكل ولد، أو المراد آدم (عليه السلام) وأولاده، فإن كل خلق الله عظيم يصح أن يُجعل في معرض القسم. نعم ليس لنا أن نحلف بكل شيء، لما ورد من قوله (عليه السلام) : "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت".
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 4 |
وجواب القسم قوله: ((لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ))، أي في تعب ومشقة، فإنه يكابد الشدائد والمصائب والمتاعب، فإن "الكبد" لغة بمعنى شدد الأمر، والمعنى أنه لا يزال يكابد الأتعاب - بما قدر الله له وللكون من الأنظمة، ولذا قال تعالى في حديث قدسي: "إني ما جعلت الراحة في الدنيا، والناس يطلبونها فيها فلا يجدوها."
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 5 |
إن الإنسان الذي خلق في عناء ومشقة - ليدل ذلك على ضعفه وحجره - إذا رأى بعض القوة في ذاته عتى وتكبر وزعم إنه لا قادر عليه، ((أَيَحْسَبُ))، أي هل يظل ويزعم الإنسان ((أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ)) بسلبه القوة والثروة والحياد وما أشبه؟
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 6 |
وإذا قيل له: "ابتغ مرضاة الله ببذل الأموال في سبيله لأنك عبد عاجز ضعيف له سبحانه، وهو قادر على تقليبك كيف يشاء،" ((يَقُولُ)) في الجواب: ((أَهْلَكْتُ)) في الإنفاق ((مَالًا لُّبَدًا))، أي كثيراً، مأخوذ من تلبد الشيء إذا تراكم بعضه على بعضه، وحسبي ما أنفقت - كما أن هذا هو منطق الأثرياء غالباً.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 7 |
((أَيَحْسَبُ))، أي يزعم ((أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ)) حيث أنفق؟ بل إن الله رآه وعرف قدر إنفاقه ولم يكن ما أنفق كثيرا بالنسبة إلى أمواله وبالنسبة إلى مقابلته بالثواب المرجو في الآخرة للمنفقين. قيل أنها نزلت في الحرث، وذلك أنه أذنب ذنبا فاستفتى رسول الله؟ فأمره أن يُكَفِّر، فقال: "لقد ذهب مالي في الكفارات والنفقات منذ دخلت في دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)".
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 8 |
إنه يبخل عن بذل بعض ماله في سبيل الله الذي أودع فيه القوى التي لا تُثَمَّن بثمن فلم يؤد شكرها، ولم يبصر بسببها طريق الرشاد، ((أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ)) ليبصر بها ويرى طريقه؟
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 9 |
((وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ))؟ لينطق به ويتجمل بالشفة لعدم قبح منظره بفغر الفم.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 10 |
((وَهَدَيْنَاهُ))، أي أرشدناه ((النَّجْدَيْنِ))؟ أي سبيل الخير وسبيل الشر، وأصل "النجد" هو العلو، وكأن الطريق موجب لارتفاع الإنسان ارتفاعا معنويا بوصوله إلى حاجته أو لظهور الطريق، سمي نجداً تشبها بالمرتفع من الأرض.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 11 |
((فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ)) "الاقتحام" هو الدخول في الشيء بشدة، و"عقبة" هي الطريق الصعب في الجبل، أي إن الإنسان لم يشكر تلك النعم التي أعطيناها إياه باقتحام الأمور الحسنة والعمل بها، وسميت عقبة لشدة أمرها على الإنسان.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 12 |
((وَمَا أَدْرَاكَ)) أيها السامـع ((مَا الْعَقَبَةُ))، أي ما هي العقبة؟ وهذا التعبير لتعظيم أمرها والإجلال لها، ثم فسرت العقبة بأنه عتق العبد والإطعام.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 13 |
العقبة هي (((فَكُّ رَقَبَةٍ))، أي تحرير العبد من إسار الرق، وإنما أطلق على الإنسان "الرقبة" بعلاقة الجزء والكل - كما قرر في البلاغة.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 14 |
((أَوْ إِطْعَامٌ))، "أو" بمعنى الواو، يعني أن من أفراد "العقبة" إطعام الناس ((فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ))، "السغب" هو الجوع، والمسغبة المجاعة.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 15 |
((يَتِيمًا)) مفعول "إطعام"، أي ليطعم الطفل الذي مات أبوه، ((ذَا مَقْرَبَةٍ))، أي ذا قرابة من المطعم، فإن الإحسان إلى الأقرباء أفضل من الإحسان إلى غيرهم، كما قال (عليه السلام): "لا صدقة وذو رحم كاشح."
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 16 |
((أَوْ مِسْكِينًا))، وهو الفقير الذي أسكنه الفقر، فإن الأغنياء يتحركون في مختلف حوائجهم، أما الفقراء فإنهم حيث لا مال لهم لا يتمكنون من التصرف في الشؤون، ((ذَا مَتْرَبَةٍ)) بمعنى الحاجة الشديدة من قولهم: "ترب الرجل" إذا افتقر، وأصله من التراب، لأن الفقر <الفقير> يلازم التراب لعدم فراش له ليقيه منه، فالمعنى قد لصق بالتراب من شدة فقره.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 17 |
((ثُمَّ)) - لترتيب الكلمة لا ترتيب المطلب - ((كَانَ)) ذلك الإنسان الذي لم يقتحم العقبة ((مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا)) بالله ورسوله وما جاء به، وهذا عطف على النفي، أي لم يقتحم العقبة مـع كونه مؤمنا، ((وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ))، أي أوصى بعضهم بعضا بأن يصبر على الشدائد طاعة كانت أو معصية أو مصيبة، بأن يعمل الأول، ويترك الثاني، ولا يجزع في الثالث، ((وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ))، أي برحم الناس والعطف عليهم، فإن "مرحمة" مصدر ميمي بمعنى الرحم.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 18 |
((أُوْلَئِكَ)) المتصفون بفك الرقاب وإطعام الطعام والتواصي بالصبر والمرحمة ((أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ)) يؤخذ بهم في القيامة ناحية اليمين نحو الجنان، ويعطي كتابهم بأيمانهم، أو إنهم أصحاب يمن وبركة.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 19 |
((وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا)) - حججنا - الدالة على التوحيد وسائر الأصول ((هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ))، فإنهم كانوا أصحاب شؤم على أنفسهم.
|
تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان | سورة البلد | 20 |
((عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ))، أي أبواب النار عليهم مسدودة مطبقة، من أوصد الباب إذا سده وغلقة <وأغلقه>. |