مفهوم أدب الخلاف في الإسلام
بقلم: أ. عبد القادر خليل الشطلي
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة
والسلام على إمام المتقين وقدوة الصالحين، وعلى آله وصحبه والتابعين
وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
مما لا شك فيه أن الأصل في الناس الاختلاف ؛ فالناس مختلفون في
أشكالهم وألوانهم، وأطوالهم وأجسامهم وعقولهم وأفهامهم وقوتهم وضعفهم،
وفقرهم وغناهم..... الخ فهذه هي سنة الله في خلقه، وصدق سبحانه حيث قال
مؤكداً على هذا المعنى بقوله: [ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ
أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ
رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ
جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ].
ومما هو جدير بالذكر أن الاختلاف في العقول والأفهام يترتب عليه
اختلاف في المواقف والآراء، وهذا شيء طبيعي، فقد اختلف الصحابة رضوان الله
عليهم أجمعين في وجود النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته صلى الله عليه
وسلم وكانت لهم مدارس مختلفة في الفقه، كما اختلف التابعون من بعدهم وكذا
الفقهاء والأئمة الأعلام من سلف هذه الأمة ولا يزال العلماء إلى كتابة هذه
السطور يختلفون فيما بينهم في الكثير من مسائل الفقه والفكر والسياسة وغير
ذلك من فنون العلم والمعرفة.
ومما هو جدير بالذكر أن الخلاف في الرأي نتج عنه إثراء للفقه والفكر
الإسلامي نتيجة لتلاقح الأفكار وتعارك الأفهام، مما جعل هذا الثراء رحمة
لهذه الأمة يناسب كافة مستويات البشر وقدراتهم، وهذا هو الأصل في الخلاف لا
أن يكون سبباً للعداء والخصام والبغضاء والشحناء، وقديماً قيل: " الخلاف
في الرأي لا يفسد للود قضية.. ".
وفي هذا المقام أود أن أؤكد في هذه المقالة القصيرة على النقاط التالية:
1- الاختلاف في الفروع ضرورة ورحمة وسعة وأن كل محاولة لرفع الخلاف
في الفروع على حد تعبير الدكتور يوسف القرضاوي " لا تثمر إلا توسيع دائرة
الخلاف وهي محاولة تدل على سذاجة بينة ذلك أن الاختلاف في فهم الأحكام
الشرعية ضرورة لا بد منها وإنما أوجب هذه الضرورة طبيعة البشر وطبيعة
الدين، وطبيعة اللغة وطبيعة الكون والحياة ".
2- اتباع المنهج الوسط وترك التنطع في الدين فإن ذلك أدعى إلى توحيد الصف وتقريب الشقة وإزالة الجفوة بين المختلفين.
3- التركيز على المحكمات لا المتشابهات مما يعين على الاجتماع والائتلاف ويبعد عن الفرقة والاختلاف.
4- تجنب القطع والإنكار في المسائل الاجتهادية التي تحتمل وجهين أو
أكثر وهذا ما قرره علماؤنا الأفاضل حيث جاء عنهم: " لا انكار من أحد على
أحد في المسائل الاجتهادية ".
5- ضرورة الاطلاع على اختلاف العلماء فإن ذلك يساعد على التسامح وتبادل العذر فيما اختلف فيه.
6- تحديد المفاهيم والمصطلحات التي يقع فيها النزاع وبيان مدلولها
بدقة ووضوح مما يدفع عنها الغموض والاشتباه، لذا كان علماؤنا السابقون
يحرصون على " تحديد موضع النزاع " في المناظرات والخلافيات حتى لا تنشب
معركة على غير شيء.
7- اشتغال المسلم بهموم أمته الكبرى لأن النفوس إذا فرغت من الهموم
الكبيرة اعتركت في المسائل الصغيرة واقتتلت – أحياناً – فيما بينها على غير
شيء، ولا يجمع الناس شيء كما تجمعهم الهموم والمصائب المشتركة، وإن من
الخيانة لأمتنا اليوم أن نغرقها في بحر من الجدل حول مسائل في فروع الفقه
أو على هامش العقيدة اختلف فيها السابقون، وتنازع فيها اللاحقون ولا أمل في
أن يتفق عليها المعاصرون.
8- التعاون في المتفق عليه، فإن التركيز على الأمور الخلافية،
والشدة على المخالفين، فيما يجوز التساهل فيه هو خلاف ما كان عليه سلف
الأمة رضي الله عنهم.
9- التسامح في المختلف فيه، فإذا كان التعاون في المتفق عليه واجباً
فأوجب منه هو التسامح في المختلف فيه فلا نتعصب لرأي ضد رأي آخر في
المسائل الخلافية ولا لمذهب ضد مذهب، ولا لإمام ضد إمام، بل نرفع شعار
التسامح الذي عبر عنه صاحب المنار بقوله: " نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر
بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ".
وأخيراً أذكر بأهم آداب الحوار عند الاختلاف والتي تتمثل في النقاط التالية:
1- اختيار الألفاظ المهذبة التي لا تجرح شعور الآخرين ولا تسيء إليهم.
2- أن يستند الحوار إلى المنطق السليم والأدلة الصحيحة.
3- أن يقصد بالحوار الوصول إلى الحقيقة وتحري الصواب بعيداً عن التعصب للرأي،ـ والانقياد للآراء الفاسدة.
4- إفساح المجال للمحاور أن يقول رأيه ويعبر عنه، فالله سبحانه
وتعالى لم يمنع إبليس من الحديث والتعبير عما يريد أن يقوله عندما رفض
السجود لآدم عليه السلام.
أسأل الله العلي العظيم أن ينفع بهذه الكلمات
وأن تجد لدى شباب الصحوة الإسلامية آذاناً صاغية اللهم آمين
وآخر دعوانا .. أن الحمد لله رب العالمين